من أنا

صورتي
أناس تنفسوا الطين عشقا ’ ذابوا من مغازلته غربا وشرقا ’ بلمسات أناملهم أنطقوا الطين نطقا ’ من كثر شوقي لهم يخفق القلب خفقا

20‏/11‏/2011

حوار مع خزاف

 حوار مع الخزاف ماهر السامرائي

في حوار مع الخزاف ماهر السامرائي ان اعمالي تحمل الارث الروحي لمدينة سامراء 

حاوره/ خالدة حامد 

يقول هانز كوبر أن السيراميك معني بتقطير الخبرة . ويمكن لنا أن نلمس مصداقية هذه المقولة حالما ندخل عالم الخزاف ماهر السامرائي ؛ فمع الجهد البارز الذي يبذله في أعماله ، تبدو هذه الاعمال كما لو أنها لم تمس ، وإن الطبيعة تركت بصماتها عليها . التصدعات والتشققات عند الجلد؛ السطح منتهك والتصديع ظاهر .. انه دال على معنى قوي يوحي بالتقدم ، ومن خلاله طور الفنان لغة قادرة على إثارة جملة من المضامين . تبدو تلك المعالجات أشبه بشبكه من العروق والأوردة في جلد العمل ، وقد يطال الحرق بعض أطراف العمل ليبدو كما لو انه مخطوط بانحناءاته والتواءاته …

له طريقة خاصة في التقنية ومنها يبدأ حوارنا:

* ألا يمكن القول إن عملك قائم على التجميع أو الإدماج طالما انه يتضمن عناصر عدة ؟

- من خلال عدة قطع خزفية يلاحظ المشاهد أن هناك وحدة وإنتاج العمل الخزفي تمتد من بداية السبعينات وحتى الآن . هذه الوحدة هي الأسلوب المميز لجل أعمالي الفنية حيث أن أغلب من كتبوا عن أعمالي الخزفية قالوا بذلك .

والمتتبع لأعمالي يرى ان هناك سلسلة تربط الأعمال سواء المبكرة في الإنتاج أو المتأخرة . الذي يميز أعمالي من فترة لأخرى هو التقنية مرة والتجريد العميق مرة أخرى . التجريد عندي عفوي فلم أكلف نفسي لكي أؤسس مدرسة في هذا العمق من التجريد أو الرجوع إلى الواقعية الرمزية أو حتى القصدية والطرح المباشر . المعاني خلف القطع الخزفية واضحة وان رسالتي في الخزف مقروءة للمشاهد .

الإمتاع للآخرين لم يكن هدفي بقدر ما أريد أن أكوِّن جداراً قوياً لخزفنا العراقي لكي يكوّن مع الآخرين البناء المتين لمدرسة الخزف المحلية .

إن إدخال النحت أو الرسم على سطح العمل الفني هو إشباع رغبات وفي الوقت نفسه هي تأثيرات الزخارف الإسلامية " الأرابسك "حيث تعودت عيناي على مشاهدة هذا الكم الهائل من الزخارف وتشابكها وتعريقها كل هذا ترك الكثير في مخزون الذاكرة .هنالك أعمال لا تتحمل الإضافة على سطح العمل الفني حيث ان الشكل يجدد ذلك فالعمل الخزفي ينقسم إلى فخار ونحت فخاري والاخير لا يتحمل ان يضاف إلى سطحه عناصر أخرى حيث ان الإضافة على السطح تربك العمل الخزفي .

* هل تسيطر على الظروف الفيزيائية والكيميائية عند الفخر ؟ بمعنى آخر كيف تحقق الموازنة بين السيطرة على العمل وحدوث اللامتوقع ؟ هل ثمة نزاع بين الاثنين ؟

- من خلال ثلاثين سنة ماضية في ممارسة الإنتاج الخزفي الفني تمكنت من مهنتي جداً إلى حد السيطرة على الألوان وملمس السطوح في الزجاج بمتناول يدي وتمكنت من تقنيات التلوين، واستخدم الأكاسيد في التلوين إلى درجة مقبولة جداً . هذا الفن الصعب أخذ جهداً كبيراً وصبراً قلما يوجد اختصاص يحتاج الى هذا الصبر. إن حدوث اللامتوقع هو حقيقة عند كل من يشتغل في هذا المجال حيث ان للفرن حصة في التغيير في دقة اللون والملمس وظروف الحرق لها حصة أيضاً ولكن الخبرة المتراكمة والذكاء له فعله . يبقى الفن ومناخه ـ طريقة الحرق وسلوك بعض أكاسيد الفلزات له فعله أيضاً . وتتناسب قلة التراكم عند الفنان بقلة الممارسة والعكس صحيح .

* ثمة فرق واضح بين داخل القطعة وخارجها ، كيف يتأتى ذلك ؟

- العمل الخزفي واضح للمشاهد وسهل الاستيعاب ولا مجال.. بل ولا نجاح لتحميل العمل الخزفي اكثر من طاقته، فعلى مر العصور نشاهد العمل الخزفي النفعي والتزييني جنباً إلى جنب . لكن .. في العقود الأربعة الأخيرة حدثت ثورة في عالم الخزف الفني الخالص حيث نجد ان الخزف ومهرجانات عرضه الدولية دفعت مستوى الفن الخالص الى ان يقفز قفزات واسعة وان تكون له حظوة كالرسم والنحت، لقد مرّ فن الخزف بتطور واسع من شرق الصين واليابان إلى غرب الولايات المتحدة مروراً بأوربا حيث نجد المدرسة الشرقية (الصين واليابان) ثم المدرسة الأوربية بزعامة المدرسة الإنكليزية ثم المدرسة الأمريكية بزعامة معهد اوتس للخزف .

* هل يمكن القول عن أعمالك إنها تطورية ، بمعنى إنها بدأت بأشكال محددة ثم أخذت تنمو بمراحل حتى وصلت إلى ما هي عليه الان؟

- تطور أسلوبي الفني في طرح أعمالي الخزفية كفن خالص لأني ومنذ أول ألاعمال المبكرة تناولت الفن الخالص، فلا نفعية في طرحي الفني ولا استعمالية في قطعي الخزفية. ان المشاهد لأعمالي يمكن ان يميز مدى التطور الحاصل في شكل وموضوع العمل الخزفي لو كان هناك الأسلوب المميز الذي ظل يحمل خصوصية الفنان.

لقد تناولت أشكالاً وكتلاً في أعمالي الفنية متفردة واستطعت ، بالتجريب الذي مارسته خلال العشرين سنة الأخيرة ، أن أفرز خزفاً فنياً متميزاً في الشرق الأوسط ومتفرداً . وهذه خطوة تضاف الى خطوات اختطها زملاء خزافون سبقنا بها أساتذة في هذا المجال خاصة سعد شاكر والمرحومة سهام السعودي وطارق إبراهيم وجيلنا الثري بهذا الفن مثل شنيار عبد الله واكرم ناجي وتركي حسين ونهى الراضي ومنى ناجي وبعدهم جاء قاسم نايف وجماعته .

* وما مصدر إلهامك الأول ؟

- المتتبع لأعمالي الفنية يلاحظ ان المتحف العراقي هو ملهمي الأول ولكن لا يختلف اثنان على إن البيئة الخصبة الثرية بالفن التي عشتها أيام الطفولة في سامراء وما حولها كان لها الأثر الأكبر في خلق هذا الثراء في الإنتاج . وان انعكاس المفردات العظيمة في هذا المدينة الثرية بتاريخها حيث المئذنة الملوية الكبيرة وجامعها وجمالية الطابوق الذي كوّنه الزمن وقصور خلفاء بني العباس حيث قصر المعشوق وقصر المعتصم وقصر الجوسق الخاقاني والأسوار العملاقة والبرك والحمامات التي تغنى بها البحتري ، اضافة إلى ذلك الضريح الجميل والقبة الذهبية الكبيرة لمرقد الإمام علي الهادي والقبة الخزفية المتناهية في الجمال والدقة التنفيذية لجامع سامراء الكبير وكثير من دوارس القصور العباسية وقبل هذا تل الصوان وشراؤه بالفخار المرسوم بالأكاسيد كل هذا له الأثر الكبير في إلهامي ودفعي لإنتاج الخزف الذي يحمل روح هذه البيضة .

* هل كان لسفرك إلى الولايات المتحدة ودراستك هناك أثر في عملك ؟

- نعم كان لسفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودراستي العليا واختلاطي بفنانين هناك والاطلاع على خزف الأمريكان أثر واضح في التقنية ولكن ليس في الجوهر . ففي أعمال معينة استخدمت الألوان في طينة الفخار قبل الحرق في الفرن والأكاسيد السود أو بلا زجاج وكانت هذه الأعمال بهذه الفترة فرصة لاستعراض تقنياتي التي تواصلت مع تجارب دراستي في الولايات المتحدة . ففي عملي الذي يحمل عنوان العمر والزمن الذي أجسد فيه صياد سمك مات من الشيخوخة والتعب من الصيد بنوع خاص من الشبك . أنا وثقت الحادثة بهذا العمل الذي يحوي ساعة وعقاربها المكسرة ويدي الصياد اللتين تتحركان نحو السقوط عن قلبه. وكذلك عملي " السمكة المأكولة التي تعبر عن قسوة السلطة أو البيئة . وعملي الآخر " السمكة مقفولة الفم " حيث جسدت فيه سمكة من نوع الشبوط الذي يعجبني بسبب سرعته الشديدة وصعوبة صيده وحذره . أغلقت فمها بقفل تعبيراً عما كان يدور بخلد الفنان الذي شبهته بسمكة مقفولة الفم . وأخيراً تلاحظين عملي الذي أسميته " طائر لم يُذبح بعد " وهو عمل تجريدي .

* هل معيارك في الحكم على دقة الخزفة هو اللمس والنظر والحدس أم التحليل المنطقي؟

- الحكم على العمل الخزفي الناجح هو الشكل واللون، فالطرح الخزفي الذي يثير عندي المتعة هو العمل الذي لم أكن قد رأيته سابقاً ويحمل تقنيات متميزة ونضجاً لونياً بتقنيات لونية محترفة . العمل الفني يجب أن يكون وراءه فنان ؛ فالجرادة لا تنتج عسلاً .

* كيف تصنف أعمالك ، تاريخية الطابع أم حديثة ؟

- أنا أصنف أعمالي بالحداثة المتناهية في الشكل وتحمل روح التاريخ العربي الإسلامي مفعمة بتاريخ بلاد الرافدين .

* وكيف تنظر اليها؟

- أنظر إلى أعمالي بوصفها الركيزة الأساسية للخزف العراقي ما بعد الرواد . وإن كثيراً من النقاد يطلقون على أعمالي تسمية الـ" مدرسة " . لكني اعتبر أعمالي طابوقة في جدار الخزف الشرق أوسطي . لقد أضفت الى الخزف تقنيات خاصة زادت من ثراء العمل الخزفي حيث اللون الذي يحمل العتق والشكل الذي يحمل المعاصرة والنحت والرسم . إن خزفي هو فن خالص وأسلوبي متفرد . فن السيراميك مربوط بخيط رفيع جداً بالحرفة ؛ وبين السيراميك التطبيقي والفني خيط آخر، فلا يوجد خزف فني ما لم يوجد فنان خزاف وراءه .

* وهل ثمة صلة قربى إبداعية بأساتذة مثل سعد شاكر أو طارق إبراهيم ؟

- إن فن الأستاذ سعد شاكر يمتعني كثيراً والتزم كثيراً بمتابعة إنتاجه وأعماله عالية المستوى وهناك خصوصية بأعماله خاصة في الآونة الأخيرة وهو في رأيي متفرد في معاصرته في الطرح ومتفرد في خصوصية ألوانه . ولا توجد صلة بين أعمالي وأعماله حيث أني أميل إلى إظهار خصوصية الطين كثيراً ومتشبث بيئي المحلية. أما طارق إبراهيم فله خصوصيته وألوانه الجميلة ولا نلتقي في أساليبنا وطروحاتنا ولكن هذا الاختلاف له إيجابية كبيرة للخزف العراقي المعاصر . أنا أتناغم مع خزف اكرم ناجي اكثر لأني من جيل اكرم واختلاطي به واسع جداً .
 

المصدر =  http://www.almadapaper.net/sub/11-256/p15.htm

_____________-----------------__________-----------------_________

حوار آخر مع خضير الزيدي 

الخزاف ماهر السامرائي: قدرتي الفنية تأتي من إيماني بالفكر الانساني 


حينما نشير إلى فن الخزف اليوم فان مخيلة أي من النقاد أو متذوقي هذا الفن ستتجه بالضرورة صوب ماهر السامرائي، بوصفه واحدا ممن قدموا اعمالا لافتة في هذا المجال واستنادا لخياراته الفنية التي وسمت تجربته وخصوصية اعماله الخزفية، وكذلك ايضا لامتداد تلك التجربه إلى توظيف الموروث مع التمسك بخطاب الهوية الفنية المعاصرة ومن هنا أيقن الكثير من محبي فن الخزف أن قابلية هذا الفن ومعطياته تستجيب لمخيلة العقل الوثاب . أردنا في هذا الحوار أن نلج إلى تجربة الفنان عبر أعماله الأخيرة والقديمة وما تمخض عنها من قيم فنية وفكرية هامة ومقايستها إلى آخرين من العرب أو العراقيين فكان الحوار نافذة لنطل منها إلى جوانبه الفنية والجمالية :

*في اغلب أعمالك الفنية ثمة قيمة فكرية تتكفل ببث رسالة العودة إلى الموروث.. أود معرفة سر هذا الارتباط بالقديم ؟
ـ لو عرفت إنني كنت مولعا بالآثار والتنقيب عن اللقى الأثرة في صباي لعرفت سبب هذا القلق بالموروث ففي المتوسطة وتحديدا عام 1962 كنت أول زائر من أقراني لتل الصوان والاطلاع على عمليات التنقيب وكيفية استخراج الفخاريات الجميلة وتلك الرسم بالاكاسيد الأسود والبني على سطح الفخاريات . تلك الرسوم والوعي التجريدي الذي تركني مشدوها كيف حدث عندهم هذا الاختزال في الرسم على الفخاريات في فترات لم تكن الكرة الأرضية قد عرفت الفخار في أماكن بعيدة عن وادي الرافدين . لقد اخترت خطا لي في الفخار إعلاميا وتثقيفيا بان فن السيراميك هو فن لا يقل تأثيرا في النفس والثقافة عن الرسم والنحت وقد قدت حملة إعلامية على أن يدخل فن السيراميك في المهرجانات التشكيلية وقد عارض بعض الرواد من مشاركة السيراميك في مهرجان بغداد العالمي الأول لكن اقتنعوا أن يشارك في المهرجان الثاني فلو دققنا النظر في أعمال أستاذي سعد شاكر لوجدت أن أسلوبه في الربع قرن الأخير قد اختار أسلوبا تجريديا عالمي الطرح لا يمكنك أن تميز أعماله عن أعمال خزافين عالميين سواء في أوربا أو الأمريكيين .. فلم يتأثر قيد أنملة بالمحلية فأعماله دخلت التجريدية أسلوبا ولم يربط أعماله ولو بخيط رفيع بالموروث وكذلك فعل أقرانه مثل طارق إبراهيم ... أما أنا فقد كنت مفتونا بالحرف في المخطوطات وكنت نحاتا في المدرسة الابتدائية وكنت مغرما بجمع اللقى الأثرية وعملات قديمة وفخاريات أثرية نعم كنت مهوسا بما اشتغل عليه الأولون من قصور زرت بقاياها ومفتونا بالزخارف الاجرية والجصية في قصور بني العباس في سامراء .. لا أنسى القوارير والزهريات والفخاريات التي وجدت في البركة الحسناء التي اكتشفت نهاية الثمانينيات داخل سور قصر الخليفة المعتصم وكنت مع النحات اسماعيل فتاح الترك قد جلبنا نماذج من بلاطات مزججة كانت تغلف البركة التي تغنى بها الشاعر البحتري.
عندما أهم بعمل خزفي خاصة النحت الفخاري تتراقص أمامي كثير من الأشكال فاختار شكلا تدخل عليه كثير من التحويرات واستقر في النهاية على الشكل الذي لا اعرف كيف حمل روح الموروث ممزوجا بمعاصرة وحداثة هي وجدانية بل غريزية حيث بواكير أعمالي كانت تجريدية صرفة بدون أن أجهد نفسي في الدخول إلى عالم التجريد لكن للبيئة التي عشتها والمهارة والتقنية في هذا الفن الصعب( الخزف ) لها الحضوة في المنتج الذي يحمل قيم التاريخ ولقد عرضت عملا نهاية السبعينيات هو قبة في مسرحها الإله الذي يواجه حمورابي في المسلة وعند الإله وقفت ثلاث سمكات( عراقية / كطان )ة هذا النوع هو الذي يعيش في دجلة والفرات رمزت للسمك بالنساء جاءت تشكي هموما وتطلب الحاجات من هذا الذي طلب حمورابي منه ما أريد القول هنا هو أن اغلب أعمالي الفنية تحمل رسائل للمشاهد وإذا لم تحمل أفكارا فاني افرغ فيها جل تقنياتي ومهارتي في الملمس واللون واللعب على الوهم لإدهاش المتلقي . فبعضهم يقول الفن تقنية.
**أتمنى كشف مرجعية تلك الأفكار التي تحملها هذه التكوينات الخزفية ؟
ـ أنا لو رجعت إلى البيئة الأولى التي عشتها في سامراء فهي أزقة وبيوت مبينة من طابوق أسوار مدينة قديمة والجيدة منها فيها شناشيل خشبية تزين غرف الأجر فعند حافة المدينة يوجد بقايا سور عالي وخلف بيتنا قبة ذهبية وقبة أخرى خزفية لمرقد الأمام علي الهادي( ع ) من الجهة الأخرى كان دجلة يجري مسرعا نحو الجنوب حاملا أطنان الغرين في الربيع وعلى حافته يتشقق الطين عند انحسار ماء الفيضان ففي الابتدائية حظيت بمعلم رسام أخر ذي تقنية ومهارة لا توصف كان لهم الأثر في حياتي واندفاعي لتنفيذ كثير من الأعمال الطينية الأفكار كانت بواكيرها أشعار ، قصائد رائعة لا زلت أحفظها جميعا وواحدة من تلك( صوت صفير البلبل ... هيج قلب الثمل ) وغيرها هكذا أدب في الابتدائية والعب تحت اكبر قبة ذهبية في العالم والصعود إلى مئذنة الملوية والصيد والسباحة وصبغ السيارات والعربات وأنا في السادسة من العمر كلها لها التأثير في ترويض الأصابع وتنمية الفكر والتجريب الذي كنت أحظى به في المدرسة وأنا في مقتبل العمر فلا تزال في ذاكرتي تلك الحروف المتشابكة نحتا بارزا وحينما ادخل الصحن المرمري ثم بوابة فضية مكدسة عليها الزخارف البنائية تحيط بآيات كريمة بالذهب الخالص على الباب الداخلي لضريح الأمام الهادي كل يوم كان هذا المكان ساحة لعبي بحيث صرت أرى صورتي مضاعفة الوعي في تلك الفترة فمخيلتي تقول لي لماذا يغلف هذا العمود والأخريات بالذهب والمرايا لماذا لا تفرش ارض دارنا بالمرمر البارد الذي يغلف الصحن الذي يحوي بناء القبة الذهبية وبجوارها قبة خزفية لقد أمعنت النظر طويلا من سطح دارنا إلى كل تلك النقوش والكتابات على القاشاني الذي يغلف قبة الجامع الكبير وبعد أن تشبعت رؤيتي بكل هذه الزخارف أقدم إلى أكاديمية الفنون الجميلة ليقولوا لي هذا فائق حسن وهذا إسماعيل الترك وحافظ الدروبي وسعد شاكر وفالنتنوس الأجنبي الذي أدهشني وهو يتكلم بالعامية وكأنه ابن الميدان أو الكسرة واكتشفت بعدها أن الأعمال الطينية تقسى وتحرق بالأفران وألوان الزجاج تظهر بعد حرق عالي الحرارة لقد راقبت معارض الأساتذة ثم المعارض المشتركة ومعارض الرواد وكنت أتمتع جدا بتنفيذي أعمال كانت لا تقل مستوى عن الأساتذة لقد كنت افتقد إلى التقنية ثم اكتسبتها في طرح الأعمال الخزفية نعم لقد أجلت الكثير من إظهار المنحوتات لحين أن امتلك مشغل خاص ومنذ عام 1970 والى عام 86 قد ملكت مشغلي الذي أنتجت فيه جزءا يسيرا مما في داخلي .
**لماذا تحمل أعمالك رسالة واقع وكأنها تتحرك تحت تأثير العواطف اليومية ؟
ـ كنت نحاتا في مقتبل العمر وفتنت بالخزف في الكلية عام 1970 وكان الخزف يمثل لدي السلوى والهدف للتعبير عما يجول في خاطري وكانت تغريني التقنية العلمية للخزف أن أحول قصائد السياب إلى أعمال خزفية ولا أنسى قصيدته عام 1963 لقد حفظتها عن ظهر قلب والتي تبدأ بالمطر واستلهمت من نصوصه الشعرية أعمالا فنية عرضت في الاورفلي ويومها كان الاستفزاز قائما لدى بعض النقاد لسحبي الخزف إلى النحت ولكن أقول هذا أن في معهد اوتس للفنون في لوس انجلوس الذي افتتح عام 53 مع معهد تؤام في باريس ثم معهد الفنون الجميلة شهدت الخزف من 54 / 55 .. عندما قدم آيان اولد أعمالا فيه ..أن الخط المتعرج لمسيرتي الخزفية يرجع إلى عوالم الخزف التي شاهدتها في موسكو في السبعينيات ثم الأوربية والأمريكية وفي دراستي وأثنائها شاركت رسامين عالمين في معرض عرضت فيه خزفا غير تقليدي موغلا في التجريد.
** أي المواضيع التالية اقرب إلى تكويناتك الفنية وأطروحاتك الفكرية(الأسطورة / الايروس / الطبيعة / )
ـ في جواب سابق كتبت عن أسطورة كلكامش وكيف وضعت أعمالي الطينية المغموسة في أساطير وقصص لغزها التجريد في كثير من الأعمال لكن في الواقعية فان الطبيعة مدياتي التنفيذية إلا بما ترك إصبعها من موج وعواصف وشمس ومطر وجرف طين يهوي في الماء ويجرفه التيار بعيدا .. ما ترك المطر على سطح الطينة وخربش الطير في التربة وكسر حجر سقط من علو وما بخيال المتدفق من بين الصخور وحروف كتبت حفرا في حجر أو طين أو رحلة لحرف عربي يتلوى كالأفعى لا ينتهي إلا أن تقول( كفى ) .أنا هنا احلل كلكامش والأسطورة التي اخذ منها بعضا وأولف بعضا من عندي وأحرك كل الأساطير على هواي وضمن رؤيتي الفنية والفكرية وأحاول أن ادخل الرموز لكل الأعمال الفنية من اجل بث رسالتها التعبيرية والجمالية كل هذه الأشياء التي ذكرتها تؤثر على سياق عملي الفني كوني أنسانا أتأثر بما يحيطني من أجواء فكرية وطبيعة.
**أتعتقد أن تجربتك لاقت هذا الاستحسان بسبب تحررها من النمط الأكاديمي ؟
ـ كان الكثير من الفنانين والنقاد العراقيين يقولون أن السيراميك لا يتحمل طرح أفكار انه بعض من بعض ولم يرق لي أن أضع فكرا عميقا في العمل الخزفي فالقارب المفقود الذي عرضته بعد عودتي من أمريكا قد استفز الناقد محمد الجزائري وقال أن هذا العمل نحتا أكثر من يكون خزفا ووقتها قلت ما ضير أن تتحرك المياه الراكدة والتجريد بعد سنين سيكون مسمارا يعلق عليه الكثير من صور أعمال القادمين المبدعين من الخزافين وهنا أتمنى أن ترجع الحياة إلى مسارها عندنا ويظهر خزافون يملئون الساحة ويعوضون من أفل . كثيرا ما كنت أزاوج مواد أخرى بطينة الخزف وهذا ما اسر الخزاف سعد شاكر ولكن لم يرق للبعض الآخر وبعد عشر سنين أصبح مزاوجة مواد بأخرى شيئا مقبولا في الخزف بل إبداعا واعد للتحرر من اشكاليته فالخزف في الأصل مدرسة يابانية / صينية أسيوية يجب ان تحترم ولابد من السير على خطاها ففي عام 1953 قفز خزاف ماهر اسمه بيتر فولكس بأعمال كانت تعد من أقبح الأعمال لأنها ابعد ما تكون عن مدرسة الخزف الانكليزية لقد كسر هذا الشخص سكة قطار الرتابة حينما انطلق بعيدا في آفاق واسعة من الخيال .


المصدر =  http://www.magazine.imn.iq/articles/view.14339/
 

_____________-----------------_________--------------------

حوار مع الخزاف حافظ المشايخي 

 الخزاف حافظ المشايخي: أميـــل إلـــى تحويـــل الحــروف المســـما

حاوره : خضير الزيدي 

يتخذ اللقاء مع بعض الأسماء الفنية التي اهتمت بالتدريس والفن، طابعا معرفيا مشوقا كون تلك الأسماء تزاوج بين الأمرين وتحاول أن تنقل الأسس المعرفية لطلابها وفقا لما يصنعونه من إبداعات فنية ذات صيغ جمالية. ولعل المحور الذي نعالجه في هذا الحوار مع الخزاف حافظ المشايخي له صلة وثيقة بهذا الموضوع ،ففي إحدى قاعات العمل في كلية الفنون الجميلة في بابل التقينا هذا الرجل المنغمس بالطين وبمعالجات منحوتاته لنتحدث عن شجون الفن وهوس الاهتمام المتزايد به فكان هذا الحوار:


 * لنتحدث عن أهمية الفن في هذا الوقت من تاريخ العراق المعاصر ؟
ــ معروف لنا جميعا أن تاريخ العراق سابقا أو في الوقت المعاصر يمثل حالة من الرقي المعرفي والإبداعي ليس مع الفن التشكيلي فحسب بل مع الكثير من الفنون الأخرى ويرجع الأمر إلى المستوى الراقي لشعب الرافدين . والفن في كل الأوقات يمثل تطلعا معرفيا وإنسانيا ويقدم الجمال الفني والحسي على طبق من ذهب ، لمن يريد أن يتفهم الحياة أو يتطلع إلى جوهرها الروحي والمادي ، أن الفن ذات صبغة إنسانية سواء تمثل في الرسم أو النحت أو الخزف، وهو يسعف الذات الإنسانية بقيم الروح المتعالية ويضفي رونقا على صورة الحياة اليومية إذا ما أردت أن أقول لك يعالج الكثير من هواجس وهموم الإنسان وتطلعاته إلى غد مشرق .
*هل تعتقد أن الفنان نجح في رسالته هذه ؟
ــ النجاح والفشل لن يكونا المقياس مع رسالة الفنان، بل أن الغاية من مضمون بث الجمال في الذات الإنسانية كفيلة أن تعد حقيقة مهمة تعالج مشاكلنا والنجاح يتحقق بفعل إرادة الفنان وقوة تعبيره، وملكته الحادة في اتقاد جذوة الفن ، والأخذ بمكسبه الإبداعي الجوهري وهذا إذا تمثل في شيء فأنما ينصهر في بوتقة الفن التشكيلي وباقي الفنون الإنسانية التي تعيد إلى الذاكرة قوة الاهتمام بالعنصر الجمالي منذ بواكير الحياة البدائية إلى اليوم. أستطيع القول أن أي فنان يمتلك رسالة الفن وغايته وبريقه سوف ينجح ويقدم متعاليات مهمة لقيمة الذات / الكون / الجمال / والغنائية الشفافة بهواجس المرء وكيانه وباطنه.
* ماهي أهم المعارض التي قدمتها في حياتك ؟
ــ أقمت اول المعارض داخل العراق في عام 1975 في نقابة الفنانين /في بابل وكان المعرض يضم في طياته الكثير من الأعمال الكرافيكية التي تعالج آنذاك قضايا الإنسان وما تذهب إليه تلك المرحلة من أفكار وهموم اشتركنا فيها جميعا، وهناك معرض آخر عام 79 وكان معرضا للشباب ضم هو الآخر أعمالا مهمة ذات صبغة واقعية وتعبيرية وسريالية اتخذت طابعا رمزيا لما تثيره من هواجس وفي عام 1983 كان لي معرض على قاعة المتحف الوطني، ومنذ ذلك الوقت الى يومنا هذا تراني منشغلا بالخزف وما يحتويه من بواطن في التذوق الجمالي والفني
* وماذا عن المدارس المؤثرة في ذاتك الفنية ؟
ــ التجريدية أثرت فيّ كثيرا وعمقت إحساسي وزادتني إيمانا بان قيمة الفن اكبر مما أتوقع واكتشفت من خلال هذا السياق أن الخزف اكثر الفنون تجريدية وخاصة الفنون الرافدينية والإسلامية منها بالذات، وأميل إلى تحويل الحروف المسمارية إلى تشكيلات تجريدية تشكل موضوعا أساسيا لي وأنا مولع كثيرا بالتلاعب في الزجاج لإبراز عالم هلامي مفتوح الغرض منه إعطاء الجمالية في المادة وتستهويني التكوينات الخزفية الإسلامية وبالتحديد ما يطلق عليه فخار ( الباربوتين ) وله تسمية ثانية وهي ( الزير ) ذات الأربعة مقابض وأحيانا تكون مغطاة مخرمة وكان للعراقيين الأوائل الدور الريادي في هذا الفن الخالد وقد تأثر بهم الإيرانيون من بعد وقد شهد العصر العباسي نماذج متقدمة من هذا الفن
* من هي الأسماء التي أثرت فيك ؟
ــ أنا سعيد بان تطرح عليّ هكذا سؤال يذكرني بمن احب فأنا مثلما معروف عني متأثر كثيرا بماهر السامرائي هذا العملاق في الفن والأخلاق الذي أرشدنا إلى معرفة أسرار باطن الخزف وقدم لنا دروسا وعبرا في الفن والإنسانية إضافة إلى أن حصيلته الفنية كانت محل إعجاب الكثيرين سواء أولئك الذين درسوا على يديه أو الذين رأوا أعماله الخزفية وهناك من الفنانين المهمين في هذا الدور سعد شاكر وهو الآخر لا يقل أهمية في عطائه الفني ممن سبقوه في هذا المضمار.


المصدر =  http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=article&sid=38433

__________---------------____________---------------__________

 حوار مع الخزافة د. زينب سالم

 
الخزافة د. زينب سالم : أستعيد الطبيعة في أعمالي الحالية

محيط - رهام محمود 
منذ قديم الأزل كان فن الخزف له دوره الكبير وسط باقي مجالات الفنون التشكيلية، حيث استخدمه قدماء المصريين في تشكيل أدواتهم المنزلية، وكان وقتها فنا استخداميا، وظل الفنانون يمارسونه حتى الآن، فتقام له المعارض والبيناليات الدولية حيث تطور وخرج منذ زمن بعيد من طابعه الاستخدامي فقط ليدخل في مجال التعبير عما يجيش بأحاسيس الفنان.

في ضوء هذا توجهنا للفنانة الدكتور زينب سالم وكيل كلية الفنون التطبيقية سابقا، وكان لنا معها هذا الحوار عن تطور فن الخزف عبر الأجيال، والدور الذي يؤديه في حياتنا.

محيط: في رأيك ما الدور الذي يؤدية فن الخزف في الحياة العامة؟

د. زينب: الخزف يمكن استخدامه في كل شيء ببيوتنا ، حتى الأطباق مثلا والأكواب ، فنحن بحاجة لأن نرى الجمال حولنا في كل شيء .

وليس من الضروري أن أشتري كل ما يعجبني ذوقه وخاصة إذا كان سعره مكلفا ، ولكن من الهام أن أشاهد الأثاث المنزلي الراقي حتى لو كان بالكتالوجات حتى أنمي حاستي للجمال .

حتى في مجال البلاط ، أصبحت مصر بها شركات كبرى لإنتاجه وفتحت أسواقا اقتصادية جديدة ، وأصبحت كل عروس تختار أطقم سيراميك لمنزلها ذات أذواق مبهرة .

محيط: كيف يمكن لزهرية ورود خزفية أن تؤثر بالمنزل ؟

د. زينب: كانت "الفازة" او زهرية الورود لها شكل محدد في الماضي ، حيث يكون لها كعب ورقبة وأذنان ، ويكثر بها اللون الذهبي وتحمل الورود البارزة . ولكنها اليوم أصبحت أبسط ولها لون واحد ، وأصبح الإعتماد في الجمال على الورود ذاتها ولذا لا يجب ان تكون ألوان الزهرية معقدة .

وحينما نضع الورود في الزهرية في منازلنا فهذا تنمية لحب الجمال لدى أطفالنا وللكبار أيضا .

محيط: فن الخزف له تاريخ عريق منذ آلاف السنين، ومصر من أول الدول التي أبدعته، هل لازلنا مهتمين بهذا الفن عربيا ومحليا ؟

د. زينب: بصفة عامة كل ما صنعه الإنسان قديما كان "للاستخدام" وما يوجد في المتاحف القديمة كان استخدامي، فكان يصنع أواني للأكل والشرب ، وكرسيا للجلوس عليه ، أو سرير أو حلي، فالفنون أصلا فنون استخدامية .

ثم تطورت الفنون بتطور الزمن والحياة بعد الثورة الصناعية، ومع وجود الماكينة، تميكنت الفنون، ومحت الآلة الإحساس باللمسة الإنسانية، فبعد الفنانون وأبدعوا أشياء أخرى، وخرجت الصورة والتمثال، إنما هذا لا يعني أن العمل الاستخدامي لم يكن فنا، بالعكس فهو فن يحتاجه الإنسان.

مر فن الخزف بفترة ابتعد الفنانون عنه كفن استخدامي واستخدموه للتعبير ، أي كخامة تتشكل لتعبر عن رؤية الفنان . وشهدنا بياناليات الخزف الفنية التي أقيمت في مصر ، وجعلتنا نحتك بالفنانين في هذا المجال العرب والأجانب . وهو فن متطور للغاية في مصر .

محيط: ما السبب في قلة فناني الخزف في مصر؟

د. زينب: الإمكانيات . فالخزف يحتاج لفرن ، فأي قطعة خزفية تحتاج للحرق ، ولا يكون ذلك في الفرن المنزلي العادي لأن القطعة تحتاج لدرجة حرارة تصل إلى 1000 درجة مئوية ، ومن ثم فإن ذلك يحتاج لمكان مخصص ، ولكهرباء بقدرات خاصة .

محيط: دولاب الخزاف، هل له دور حاليا بعد استخدام أساليب حديثة في الإبداع ؟

د. زينب: دوره بالفعل انحصر، وفي محافظة قنا يقام كل عام ملتقى الفخار، وفي هذا العام سيقام بعد شهر تقريبا في أشمون، فهم يذهبون للمناطق التي يوجد بها الفخرانية يعملون على الدولاب كي يقدم الفنانون إبدعاتهم في أماكنهم . وهذا ما يذكرنا بالدولاب؛ لأنني أدرس في كلية الفنون التطبيقية ولا يوجد حاليا دواليب تراها الأجيال الجديدة .

محيط: يلاحظ أن متحف الفن الحديث لا يضم عددا كبيرا من الأعمال الخزفية، فلماذا ؟

د. زينب: لدينا العديد من الأعمال الخزفية التي أقيمت لها متاحف ، وكان من المفترض أن يقام متحف "الجزيرة للخزف الإسلامي" لكنهم اقاموه في منطقة 15 مايو ، ويضم إبداعات من بيناليات موجودة ، ولكن يعيبه بعد مكانه .

محيط: ما تقييمك لمعرض "الإناء" الذي أقيم في مركز سعد زغلول الثقافي لفناني الخزف؟

د. زينب: كانت فكرة جريئة من مدير المركز الفنان طارق مأمون، بأن يعيد تذكرة الناس بفن الخزف، لأنه منذ انتهت البيناليات من حوالي خمس سنوات وقلت معارض الخزف، وهذا قلل حافز الفنانين لإبداع المزيد من الأعمال الخزفية .

محيط: حدثينا عن تجربتك في فن الخزف، ومراحلك المختلفة؟

د. زينب: أنا أعمل في فن الخزف منذ عام 1967، وفيما قبلها عندما كنت طالبة، ودائما ما نبدأ بمرحلة صنع " الإناء" الخزفي . وعملت أشكال للدولاب ، والطريف أنني لم اعرف بهذا الفن إلا نتيجة تأخري عن الدراسة بالكلية فلم أجد إلا " قسم الخزف والحديد والمعادن" ، وكنت أريد الالتحاق بقسم الديكور، ولكن عميد الكلية رأى أن قسم الخزف مناسبا لي، وأشبعت هوايتي للرسم لأننا كنا نذهب للمتاحف ونرسم .

ثم دخلت عالم الخزف بالتدريب والتعليم، وفي السنة الأخيرة من دراستي بالكلية أنتجت أشكالا مختلفة، وكان عندي الإحساس بالتجربة، ثم بقي معي الإحساس بالأشياء التي أريد التعبير عنها لكن في صورة الإناء .
وكنت عاشقة للطبيعة أذهب للصحراء وأتأمل الكثبان الرملية والجبال ، حيث نشأت في مدينة السويس وكنت قريبة من جبل عتاقة والبحر والطريق الصحراوي الذي أمر عليه حينما كنت أسافر ، وظل ظل هذا مخزون بداخلي فترة طويلة، ثم رأيت قوة كبيرة جدا في الصحراء أقوى من مخزوني، فرجعت أبدع بشكل مختلف .

حولت الخزف لشرائح من الطين بأشكال جبلية أو رملية، وكونت منها أشكالا متنوعة، ظلت تكبر كي أوضح المنظر حتى أصبحت مسطحات، وكانت تبدو كالكولاج كي أستطيع عمل هذا الإتساع الكبير، فبدأت تخرج أشكالا مختلفة، وحينما بدأت في حل مشاكلي مع الخامة والطبيعة التي تأثرت بها، وجدت أنه لا يوجد أي مشكلة عندي في العمل، فحينما كنت أشعر بأي شيء أعبر عنه ببساطة من خلال فن الخزف.
إحساسي بالأشياء أعتبره تصويري، وقماش الرسم هو الطينة، وألواني هي الطلاءات الزجاجية، وكنت أرى أنني أملك إمكانية أوسع من الرسم مع الخزف حتى في عمل الخدع البصرية.
أنا حاليا أمر بتجربة جديدة، وهي عن أشياء في الطبيعة، تحمل فكرا فلسفيا نسبيا، بعد أن تقاعدت على المعاش ، بدأ إحساسي بالخريف يكون جميلا .
وتذكرت حينما سافرت لأوروبا هناك الخريف يظهر أكثر من مصر ، كنت أذهب لكلية الفنون في دمبوس وهذه الكلية تسبقها غابة كبيرة نسير فيها حتى نصل إليها، وكنا في وقت الخريف حيث تسقط فوقنا أوراق الشجر الجميلة المرسومة وكأنها لوحة ضاع منها اللون الأخضر وتحولت لألوان أخرى جميلة جدا ، فالعيدان أصبحت لها أشكال وطبيعة أخرى جميلة، والأرض لونت بلون مختلف عن لون الربيع، حينما أمشي عليها أسمع أصواتها الرائعة، والتي أشعر وكأنني أسمعها حتى الآن .

بدأت حاليا استرجع هذا، بل وأبحث عنه، فشاهدت نباتات بعد أن شاخت تجردت حتى أصبحت ألياف غاية في الجمال؛ لأنني أسكن في مكان من حوله غيطان وأراضي زراعية، وهذا يذكرني حينما أبدعت بموضوعات عن النخل ، حينما انتقلت لمدينة شبرامنت وكنت أسير من أبو النمرس طريق الصعيد كنت أمر كل يوم بين غابتين من غابات النخيل وأنا من أطلقت عليهم هذا الاسم، لأنها كغابات أوروبا منطقة كلها نخيل، وسيطر علي هذا المشهد لفترة طويلة، إلى أن بدأت عندي الفكرة الأخرى عن الخريف، وهذه الفكرة ظلت سنوات تختمر بداخلي، حتى بدأت أعيشها حاليا.


المصدر =  http://www.moheet.com/2009/04/05/الخزافة-د-زينب-سالم-أستعيد-الطبيعة-في/