مدينة آسفي |
فن
الخزف باسفي
التهامي الوزاني
من
المعروف أن الخزفيين من الجيل السابق للجيل المعاصر كانوا أكثر تشبثا بأصول فن
الخزف ، وأكثر حرصا على تقنياته التقليدية ، فتركوا بصماتهم على هذه الصناعة
العريقة ،
وبالتالي ظلت ابتكاراتهم تتسم بالأصالة ،لم يعد أي احد يصنع مثلها اليوم
بحيث كان الخزفي الاسفي يعير أهمية قصوى لعملية التزيين التي تبرز جماليته من خلال
انسجام الألوان باعتدالها ونصاعتها وسيطرة الأزهار وعناصر زخرفيه أخرى مستوحاة من تعبيرات الفنون التقليدية
والأشكال الهندسية..إن إبراز هذه المواصفات الفنية رهين بما يسمى "التزديج"الذي كان
ألزخرفي يصنعه بنفسه مستعملا في ذلك الاكاسيد التي تعطي ألوانا بعد خلطها مع أكسيد
الرصاص الذي هو المادة الأساسية لتثبيت الألوان وإعطائها البريق المرغوب. فأكسيد
الحديد مثلا يعطي اللون البني ، وأكسيد النحاس يعطي اللون الأخضر ، وأكسيد الكوبالت
يعطي اللون الأزرق، وكل هذه الألوان تكون تزديجا يطلى به الفخار البسيط ليصبح خزفا
جميلا براقا بعد مروره بالنار في الفرن.

إن
استخدام هذه الألوان في التزيين الذي يتطلب مهارة كبيرة ، تحدد درجة جودة المنتوج ،
يبتدئ في الغالب باختيار ثلاثة ألوان لا تخرج عن الألوان الخمسة المعروفة ،وهي
الأبيض ، الأصفر،الأزرق ، كل واحد من هذه الألوان يستعمل بكثافة
مختلفة.
وأما
عناصر الزخرفة فالزخرفي يستلهمها مما اشرنا إليه سابقا بالإضافة إلى الخط العربي
كفضاء مزدوج لممارسة التعبير. وتجدر الإشارة إلى أن خزف اسفي انفرد ولازال ينفرد
برسوم وعلامات لها دلالات رمزية تندرج ضمن نوع زخرفي يسمى "اتبوع".
وعلى
صعيد الأشكال والأصناف كانت صناعة الخزف متكرسة أساسا لإنتاج الأواني النفعية
والاستعمالات المنزلية الضرورية لسد حاجيات الحياة اليومية علاوة على أهميتها من
الناحية التجارية.
وقد
وضع الخزفي الاسفي لعملية زخرفة منتوجاته أنظمة قاعدية موروثة جيلا عن جيل نعرض
فيما يلي لبعضها :
*أولا
: نظام شعاعي وانطباعي (Système
rayonnant et divionniste) الذي يوجد في أصناف خزفية معينة كالصحون والأطباق حيث تتمادى فيه عناصر
التزيين بشكل تناظري انطلاقا من نقطة المركز، أي من وسط الصحن مثلا في شكل هندسي أو
نجمة أو وردة ..على خلاف ما يلاحظ من حرية
التشكيل في الفن الخزفي المشرقي والآسيوي.
*
ثانيا :نظام الطبقات المتتاضدة (Système
des registres superposés) ونجده
في أصناف مثل الأباريق والمزهريات والمصنوعات ذات الشكل القائم أو العمودي ، ونجد
أنظمة أخرى منها :
*
نظام يتكون من خانات متشابهة في حجمها وصياغتها أو من قشور في شكل قشور السمك أو
نخر وبات النحل ، يرسم الصانع بداخلهل علامات مشحونة بدلالات رمزية يبتدعها من
وجدانه وأحاسيسه وتصوراته الفنية .
*
نظام يطبق بالنسبة لكل الأصناف تتولد فيه التزاويق
العربية(Arabesques)
والأشكال الهندسية ، والزهور والرسوم النبتية المتفرعة (التوريق) من
تلقاء ذاتها بحيث لا يستطيع الناظر أن يتوقف في مكان محدد.
فهذه
العناصر الزخرفية لا تنغلق في تركيبتها داخل إطار ، رغم ما يتخيله المشاهد ،بل
تبلورها حركية داخلية تنتشر إلى اللامنتهى. فمصطلح "اتبوع" باللغة العامية ، الذي
اشرنا اليه فيما سبق والمستعمل عند الحرفيين الاسفيين يعبر بنفسه عن أنواع هذه الزخرفة التي تتميز
بتسلسل عناصرها وانتشارها على سطح القطع الفخارية ، وتلك سيمة الفنون العربية
الإسلامية التي تهدف حسب بعض المستشرقين إلى إبراز حياة الروح والباطن. بعكس الفن
الإغريقي مثلا الذي ينقل الحياة حرفيا. لان الفنون الإسلامية لاتترجم مشاعر الفنان
الذاتية ، ولا تريد أن تروي لنا وتؤرخ الأحداث ، بل هي تقوم على اسس فلسفة جمالية
خاصة تكمن في علاقة صوفية للإنسان بالخالق سبحانه وتعالى وبالطبيعة
.
إن
المصنوعات الخزفية التي أنجزها عدد من "المعلمين المحليين "الكبار في المرحلة
الماضية ،يمكن اعتبار
ها أنماط فنية ، لها نوعية متميزة وأسلوب خاص ، تأكد على يدهم ، لأنهم
حينما يكسبون ابتكاراتهم الفخارية البسيطة طابعا فنيا إنما يصدر ذلك عن خبرتهم
الجمالية وقدرتهم الإبداعية التي استطاعوا بواسطتها استخدام مواد الطبيعة في إغراض
تفوق مكونات المادة نفسها ، واكبر دليل
على ما نقول هو ما حدث في مدينة اسفي حينما استعمل الفنان "بوجمعة العملي "والمعلم
"ابن ابراهيم" ، وما يستعمله حاليا المبدع "مولاي احمد السرغيني" والمعلم "الزيواني
" بنجاح كبير ، تقنية الخزف ذي البريق أو اللمع المعدني
،(Téchniques
des reflets mètalliques) تقنية
عربية أصلا والتي انطلقت من سوريا لتصل إلى الأندلس في القرن الرابع عشر ميلادي ،
والى ايطاليا في القرن الثامن عشر.

هكذا كان لمدينة اسفي العتيقة ما اختصت به من
فن خزفي عريق ومتميز يشكل ظاهرة رائعة من تراثها الحضاري والتاريخي الأمر الذي جعل
هذا الفن يصل إلى الشهرة الدولية.
من
كتاب "تل الفخارين "
المصدر = http://les-safiots.over-blog.org/article-11233341.html
-----------_____________----------------_____________-----------
خزف آسفي .. مفخرة تاريخية تركت على الرصيف
البحارة الفينيقيون صنعوه والأمازيغ شربوا منه والعرب
أبدعوا فيه

موت الخزف في آسفي ليس سوى موت ثانية بعدما رحل كبار «الصنايعية» الذين شكلوا مدارس خزفية حقيقة قائمة الذات، فأواني الخزف الآسفي، التي تباع اليوم وتحمل توقيع كبار صناع الخزف بعشرات الملايين، ويتهافت عليها جامعو التحف عبر العالم، هي أوان تشهد على تاريخ طوي بعد أن دخل الميدان صناع أوصلوا خزف آسفي إلى الرصيف ليباع بثمن بخس بعدما كان يحمل هوية جمالية تضاهي الخزف الفارسي والخزف الفاطمي، وبعدما أوصله الصناع الأوائل إلى مصاف الخزف الذي يعكس الحضارة العربية الإسلامية في كل تجلياتها.
خزف آسفي القديم
متاحف العالم وتجار التحف يتسابقون اليوم على خزف آسفي
القديم، خزف حمل توقيع صناعه من بوجمعة العملي وبن إبراهيم الفخاري والمعلم سعيد
السوسي وعبد القادر لغريسي، وحتى القطع الخزفية التي أبدع فيها صناع خزف من فاس
استقروا في آسفي نهاية القرن التاسع عشر وأنتجوا قطعا خزفية تعكس مرحلة مهمة من
تاريخ الصناعة الخزفية في المغرب، إلا أن مرحلة بوجمعة العملي الممتدة ما بين سنتي
1918 و1971 كانت الأكثر وفرة في الجودة والرقي ومحاكاة لتجارب خزفية فارسية
وموريسكية وصينية ويابانية، جعلت خزف آسفي يحتل المراكز الأولى في المعارض الدولية
التي كانت تقام في باريس زمن الحماية الفرنسية على المغرب.
لقد تضمنت مجلة «مغربنا»، التي كان يديرها بول بوري في النصف الأول من القرن الماضي، مقالا عن تاريخ الخزف في آسفي كتبه روني كريميو في عدد شهر يناير من سنة 1953.
والمقال عبارة عن توطئة تاريخية لذاكرة الخزف بآسفي من النشأة والمنطلق إلى الشهرة والتراجع اللذين عرفهما هذا الفن. إنها قراءة متأنية وبسيطة بعيون أجنبية كانت ترى في كل ما هو جامد ومتحرك في المغرب مادة صالحة للبحث العلمي.
وموضوع الخزف يصنف ضمن الدراسات الحضارية للشعوب نظرا لارتباطه بالبدايات الأولى للبشرية في علائقها مع محيطها وتسخيره في خدمة حاجياتها، ومع ذلك لم يأخذ فن الخزف مكانته اللائقة ضمن مواضيع البحث الأكاديمي والتاريخي المغربي باستثناء مجموعة من الأبحاث والدراسات التي قامت بها قلة من الأساتذة في الجامعات المغربية.
لقد تضمنت مجلة «مغربنا»، التي كان يديرها بول بوري في النصف الأول من القرن الماضي، مقالا عن تاريخ الخزف في آسفي كتبه روني كريميو في عدد شهر يناير من سنة 1953.
والمقال عبارة عن توطئة تاريخية لذاكرة الخزف بآسفي من النشأة والمنطلق إلى الشهرة والتراجع اللذين عرفهما هذا الفن. إنها قراءة متأنية وبسيطة بعيون أجنبية كانت ترى في كل ما هو جامد ومتحرك في المغرب مادة صالحة للبحث العلمي.
وموضوع الخزف يصنف ضمن الدراسات الحضارية للشعوب نظرا لارتباطه بالبدايات الأولى للبشرية في علائقها مع محيطها وتسخيره في خدمة حاجياتها، ومع ذلك لم يأخذ فن الخزف مكانته اللائقة ضمن مواضيع البحث الأكاديمي والتاريخي المغربي باستثناء مجموعة من الأبحاث والدراسات التي قامت بها قلة من الأساتذة في الجامعات المغربية.
أصل خزف آسفي
يكتب روني كريميو في مقاله المترجم من الفرنسية: «يرجع أصل
الخزف بآسفي إلى فترة جد متأخرة، ومن المحتمل أن يكون أصل أول صناع الخزف بحارة
أقاموا منذ أكثر من ستة قرون على مصب وادي الشعبة، وخلال هذه الفترة الغابرة كانوا
يستعملون بفضل التجربة غير الخاضعة لقاعدة نظرية الطين المحلي في صناعة
خزفيات مشتركة للاستعمال العائلي، ولم تكن منتوجاتهم الطينية بالملونة ولا
بالمزخرفة. وشيئا فشيئا عمدوا إلى صنع وإنتاج مزهريات وأوان خزفية موحدة اللون.
وخلال هذه الفترة صنعوا ربما المربعات الطينية المستعملة على الجدران.
بعد هذا التاريخ بفترة طويلة -منذ حوالي 150 سنة- حل بآسفي عامل من أصل فاسي دون اسمه وحفظته الأخبار (الحاج عبد السلام اللانكاسي) من أجل قضية تتعلق بالإرث، فشاءت الظروف أن يستقر بالمدينة قبل أن يفد عليه عدد من صناع الخزف من فاس، حيث أقاموا على ضفة وادي الشعبة. ويرجع لهم الفضل في إدخال ونشر تقنيات التزيين والأشكال المتفرعة عن الفن الفاسي.
وهكذا عرف خزف آسفي، الذي كان مزخرفا بشكل دقيق ومتعدد الألوان، شهرة كبيرة وامتدت مساحة بيعه إلى نطاق واسع في الجنوب، وهي الفترة التي امتدت إلى حوالي 100 سنة قبل أن يعرف الخزف وصناعته تراجعا بسبب الظروف السياسية غير المستقرة وحالات العصيان التي عرفها المغرب، والتي منعت أي شكل من أشكال التواصل بين الشمال والجنوب وبين آسفي وفاس، مما دفع مجموعة من صناع فاس إلى التراجع والانمحاء.
وأمام هذا الوضع أجبر صناع آسفي، الذين كانوا محرومين من المواد الملونة المشكلة من أوكسيد الحديد ومنغنزيوم تافيلالت الموجودة بالسوق التجارية الفاسية، على استعمال اللونين الأبيض والأزرق، لأن المواد الملونة الزرقاء كانت سهلة المنال، وهي الآتية من إنجلترا عن طريق البحر.
يجب القول بأنه مع تثبيت نظام الحماية بالمغرب كانت الصناعة الخزفية بآسفي قد وصلت إلى درجة خطيرة من الانحطاط بسبب قلة اليد العاملة وصعوبة الظروف المادية غير المستقرة التي كانت تشتغل فيها، مما أفقد الأساليب المستعملة في هذا الفن قيمتها.
بعد هذا التاريخ بفترة طويلة -منذ حوالي 150 سنة- حل بآسفي عامل من أصل فاسي دون اسمه وحفظته الأخبار (الحاج عبد السلام اللانكاسي) من أجل قضية تتعلق بالإرث، فشاءت الظروف أن يستقر بالمدينة قبل أن يفد عليه عدد من صناع الخزف من فاس، حيث أقاموا على ضفة وادي الشعبة. ويرجع لهم الفضل في إدخال ونشر تقنيات التزيين والأشكال المتفرعة عن الفن الفاسي.
وهكذا عرف خزف آسفي، الذي كان مزخرفا بشكل دقيق ومتعدد الألوان، شهرة كبيرة وامتدت مساحة بيعه إلى نطاق واسع في الجنوب، وهي الفترة التي امتدت إلى حوالي 100 سنة قبل أن يعرف الخزف وصناعته تراجعا بسبب الظروف السياسية غير المستقرة وحالات العصيان التي عرفها المغرب، والتي منعت أي شكل من أشكال التواصل بين الشمال والجنوب وبين آسفي وفاس، مما دفع مجموعة من صناع فاس إلى التراجع والانمحاء.
وأمام هذا الوضع أجبر صناع آسفي، الذين كانوا محرومين من المواد الملونة المشكلة من أوكسيد الحديد ومنغنزيوم تافيلالت الموجودة بالسوق التجارية الفاسية، على استعمال اللونين الأبيض والأزرق، لأن المواد الملونة الزرقاء كانت سهلة المنال، وهي الآتية من إنجلترا عن طريق البحر.
يجب القول بأنه مع تثبيت نظام الحماية بالمغرب كانت الصناعة الخزفية بآسفي قد وصلت إلى درجة خطيرة من الانحطاط بسبب قلة اليد العاملة وصعوبة الظروف المادية غير المستقرة التي كانت تشتغل فيها، مما أفقد الأساليب المستعملة في هذا الفن قيمتها.
تجديد الخزف
وقد كلف المارشال ليوطي (معروف عنه اهتمامه بصيانة فن الخزف)
مصلحة الفنون الجميلة، التي كانت ملحقة بها مصلحة الفنون الأهلية حاليا، ومصلحة
المهن والفنون المغربية بتجديد وإصلاح فن الخزف بآسفي، وهو ما مكن هذه المصلحة من
دعوة السيد بوجمعة العملي، معلم السيراميك وخريج مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر والمتدرب
السابق بمجمع الخزف والسيراميك «سيفر» الشهير في فرنسا، إلى الإشراف على خزف آسفي
كتقني ومنشط للورشة الرائدة (أول ورشة رائدة بالمغرب) من 1918 إلى 1935.
ومشهود للسيد العملي مجهودات في الحفاظ على فن الخزف بآسفي وتجديده وإغنائه. وبالإضافة إلى عمله في البحث عن خزف آسفي القديم من أجل الاطلاع عليه والرجوع إلى أصوله، دأب دائما على تنبيه الصناع إلى ضرورة تنقية وتصفية الطين المحلي من الشوائب.
واستطاع بوجمعة العملي تلقين وتعليم فنون الخزف لعدد كبير من التلاميذ بالفصل التعليمي، الذي كان مفتوحا بالموافقة التامة للإدارة، فاستطاع أن يعلم تلامذته موضوعات الشكل من غير إفساد لروح المنتوج الخزفي، وبأن يرسموا الأشكال الهندسية التقليدية بدون الحاجة إلى بركار، وجدد في الأشكال الموجودة والمثقلة والآخذة في طريق الانمحاء عملية تدقيق للطلاء الخزفي المناسب والبديل، وهكذا تم تجديد وتصفية وإغناء الطين وطرق التزيين والبريق.
أخيرا ومع منح خزف آسفي شكل الانعكاسات المعدنية (التذهيب بسائل الذهب والنحاس والفضة)، التي فقدت سرها مع القرن الرابع عشر ولم تتم استعادتها إلا بعد أبحاث طويلة ومتأنية، استطاع المعلم العملي أن يعطي لهذا الميدان الإشعاع الذي جعل سابقا أوراش الفرس وسيسيليا وميزوبوتامي وإسبانيا مشهورة ذائعة الصيت، ولا يمكن حاليا سوى لأصفهان الإيرانية بأن تأخذ كبرياءها من صناعتها ومكانتها بينها.
إن المجموعة الرائعة واللافتة للنظر المجتمعة بالمصالح البلدية للمدينة، وهي تتجاور مع أشكال التزيين والصباغات الزرقاء والبيضاء القديمة وأشكال هندسية مجددة ومتعددة الألوان، إضافة إلى الصحون والكؤوس والمزهريات والأقداح ومنفضات السجائر... إنما يشهد هذا كله على النتائج البارزة التي تحققت خلال هذه الفترة من التجديد والإصلاح لورش الخزف الآسفي.
ولعل في مجموعة أعمال السيد العملي، المشكلة من مجموعة من القطع كلها فريدة ورائعة، والموجودة بالقشلة والقصر البرتغالي (حاليا المتحف الوطني للخزف في آسفي) ما يدفع إلى فضول محلي وجب على السائح النوعي معرفته والاطلاع عليه.
لقد كانت في مشاركة خزف آسفي منذ سنة 1922 بالمعارض المغربية والفرنسية والدولية ما يكفي لجعله ذا شهرة تجاوزت مجال شمال إفريقيا. واكتست المصنوعات الخزفية في كسوة الجدران، وهي التقنية التي تم كذلك تجديدها بشكل خاص، وبرزت بشكل كبير في البنايات الإدارية (المصالح الإدارية في آسفي) وحتى الخاصة بالجهة وفيما وراءها وعليها يمكن مشاهدة البريق على القرميدة الخضراء لآسفي.
إن تصنيف تل الخزف في عداد الآثار مكن من حفظ أمكنة هذا الفن، التي مازالت حية إلى يومنا، مما يدفع إلى القول بضرورة إعادة تنظيم وترتيب المهنة نظرا لما يعانيه سوق البيع من تراجع، عام على كل حال، سينتهي مع تأمين أسواق ضرورية للمنتجات الخزفية». انتهى مقال روني كريميو.
لقد توفق الكاتب في رسم الملامح التاريخية الأولى لهذا الفن متسلحا بمقومات الموضوعية المطلوبة في هذا المجال. وقد تابعنا كيف استطاع روني كريميو أن يحدد مسؤوليات كل فاعل عبر التاريخ ساهم في صناعة هذا الفن وإغنائه، ولم يكن دور المعلمين الذين قدموا من مدينة فاس إلى آسفي سوى حلقة بارزة انتهت مع مرحلة معينة بسبب الظروف السياسية المضطربة التي عاشها المغرب، وهي على كل حال ليست سوى بصمة ضمن عدة بصمات بشرية وإدارية ومناخية أسست لفن الخزف بآسفي.
والمثير أنه حتى المؤرخ المغربي الآسفي محمد الكانوني، رغم ما عرف عنه من إلمام واسع بتاريخ المجال، لم يعر موضوع الخزف الأهمية اللائقة به واكتفى في كتابه «آسفي وما إليه قديما وحديثا»، الذي صدر في الثلاثينيات، بأن يضمه في باب الحالة الاقتصادية. ويقول: «يوجد بآسفي من الصناعات والحرف ما تتوقف عليه ضروريات العمران ففيها صناعة الخزف والفخار، وهذه الصناعة أعني الفخار، من أكبر مميزات آسفي، فلقد حازت فيه أجمل ذكر وأجل إكبار بوجود تربتها الطينية، فسارت بذكر أوانيها الركبان وزينت بها المتاحف والبيوت، وهي من الصناعات القديمة بآسفي، صرح بعض المؤرخين الإفرنجيين بأنها وجدت بآسفي منذ الفينيقيين قبل الميلاد المسيحي بقرون».
ومع هذا فقد قدم روني كريميو عدة تفسيرات تاريخية مقنعة، منها سبب استعمال خزف آسفي وتخصصه في اللونين الأبيض والأزرق، وقد كان ذلك راجعا إلى حالة الحصار بين شمال المغرب وجنوبه، مما دفع الصناع إلى الاكتفاء باللون الأبيض مع الأزرق الآتي من إنجلترا عن طريق البحر، وتكلم أيضا عن الدور البارز للمعلم بوجمعة العملي خريج مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر، والفنان الرائد في صناعة خزفية فاقت شهرتها كل أنحاء العالم، وأصبحت قطعه تشكل ثروة حقيقية نادرة لمن يمتلكها، ووصل الأمر إلى حد أن الآسفيين أصبحوا يطلقون على قطع الخزف عموما اسم «العملي»، في إشارة لسانية رمزية إلى مكانة الرجل في تاريخ هذا الفن.
ومشهود للسيد العملي مجهودات في الحفاظ على فن الخزف بآسفي وتجديده وإغنائه. وبالإضافة إلى عمله في البحث عن خزف آسفي القديم من أجل الاطلاع عليه والرجوع إلى أصوله، دأب دائما على تنبيه الصناع إلى ضرورة تنقية وتصفية الطين المحلي من الشوائب.
واستطاع بوجمعة العملي تلقين وتعليم فنون الخزف لعدد كبير من التلاميذ بالفصل التعليمي، الذي كان مفتوحا بالموافقة التامة للإدارة، فاستطاع أن يعلم تلامذته موضوعات الشكل من غير إفساد لروح المنتوج الخزفي، وبأن يرسموا الأشكال الهندسية التقليدية بدون الحاجة إلى بركار، وجدد في الأشكال الموجودة والمثقلة والآخذة في طريق الانمحاء عملية تدقيق للطلاء الخزفي المناسب والبديل، وهكذا تم تجديد وتصفية وإغناء الطين وطرق التزيين والبريق.
أخيرا ومع منح خزف آسفي شكل الانعكاسات المعدنية (التذهيب بسائل الذهب والنحاس والفضة)، التي فقدت سرها مع القرن الرابع عشر ولم تتم استعادتها إلا بعد أبحاث طويلة ومتأنية، استطاع المعلم العملي أن يعطي لهذا الميدان الإشعاع الذي جعل سابقا أوراش الفرس وسيسيليا وميزوبوتامي وإسبانيا مشهورة ذائعة الصيت، ولا يمكن حاليا سوى لأصفهان الإيرانية بأن تأخذ كبرياءها من صناعتها ومكانتها بينها.
إن المجموعة الرائعة واللافتة للنظر المجتمعة بالمصالح البلدية للمدينة، وهي تتجاور مع أشكال التزيين والصباغات الزرقاء والبيضاء القديمة وأشكال هندسية مجددة ومتعددة الألوان، إضافة إلى الصحون والكؤوس والمزهريات والأقداح ومنفضات السجائر... إنما يشهد هذا كله على النتائج البارزة التي تحققت خلال هذه الفترة من التجديد والإصلاح لورش الخزف الآسفي.
ولعل في مجموعة أعمال السيد العملي، المشكلة من مجموعة من القطع كلها فريدة ورائعة، والموجودة بالقشلة والقصر البرتغالي (حاليا المتحف الوطني للخزف في آسفي) ما يدفع إلى فضول محلي وجب على السائح النوعي معرفته والاطلاع عليه.
لقد كانت في مشاركة خزف آسفي منذ سنة 1922 بالمعارض المغربية والفرنسية والدولية ما يكفي لجعله ذا شهرة تجاوزت مجال شمال إفريقيا. واكتست المصنوعات الخزفية في كسوة الجدران، وهي التقنية التي تم كذلك تجديدها بشكل خاص، وبرزت بشكل كبير في البنايات الإدارية (المصالح الإدارية في آسفي) وحتى الخاصة بالجهة وفيما وراءها وعليها يمكن مشاهدة البريق على القرميدة الخضراء لآسفي.
إن تصنيف تل الخزف في عداد الآثار مكن من حفظ أمكنة هذا الفن، التي مازالت حية إلى يومنا، مما يدفع إلى القول بضرورة إعادة تنظيم وترتيب المهنة نظرا لما يعانيه سوق البيع من تراجع، عام على كل حال، سينتهي مع تأمين أسواق ضرورية للمنتجات الخزفية». انتهى مقال روني كريميو.
لقد توفق الكاتب في رسم الملامح التاريخية الأولى لهذا الفن متسلحا بمقومات الموضوعية المطلوبة في هذا المجال. وقد تابعنا كيف استطاع روني كريميو أن يحدد مسؤوليات كل فاعل عبر التاريخ ساهم في صناعة هذا الفن وإغنائه، ولم يكن دور المعلمين الذين قدموا من مدينة فاس إلى آسفي سوى حلقة بارزة انتهت مع مرحلة معينة بسبب الظروف السياسية المضطربة التي عاشها المغرب، وهي على كل حال ليست سوى بصمة ضمن عدة بصمات بشرية وإدارية ومناخية أسست لفن الخزف بآسفي.
والمثير أنه حتى المؤرخ المغربي الآسفي محمد الكانوني، رغم ما عرف عنه من إلمام واسع بتاريخ المجال، لم يعر موضوع الخزف الأهمية اللائقة به واكتفى في كتابه «آسفي وما إليه قديما وحديثا»، الذي صدر في الثلاثينيات، بأن يضمه في باب الحالة الاقتصادية. ويقول: «يوجد بآسفي من الصناعات والحرف ما تتوقف عليه ضروريات العمران ففيها صناعة الخزف والفخار، وهذه الصناعة أعني الفخار، من أكبر مميزات آسفي، فلقد حازت فيه أجمل ذكر وأجل إكبار بوجود تربتها الطينية، فسارت بذكر أوانيها الركبان وزينت بها المتاحف والبيوت، وهي من الصناعات القديمة بآسفي، صرح بعض المؤرخين الإفرنجيين بأنها وجدت بآسفي منذ الفينيقيين قبل الميلاد المسيحي بقرون».
ومع هذا فقد قدم روني كريميو عدة تفسيرات تاريخية مقنعة، منها سبب استعمال خزف آسفي وتخصصه في اللونين الأبيض والأزرق، وقد كان ذلك راجعا إلى حالة الحصار بين شمال المغرب وجنوبه، مما دفع الصناع إلى الاكتفاء باللون الأبيض مع الأزرق الآتي من إنجلترا عن طريق البحر، وتكلم أيضا عن الدور البارز للمعلم بوجمعة العملي خريج مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر، والفنان الرائد في صناعة خزفية فاقت شهرتها كل أنحاء العالم، وأصبحت قطعه تشكل ثروة حقيقية نادرة لمن يمتلكها، ووصل الأمر إلى حد أن الآسفيين أصبحوا يطلقون على قطع الخزف عموما اسم «العملي»، في إشارة لسانية رمزية إلى مكانة الرجل في تاريخ هذا الفن.
هوية ضائعة
خزف آسفي اليوم فقد هويته، وأصبح مهنة وحرفة بدون بوصلة. البوصلة
الوحيدة التي توجه هذا الفن وهذه الصناعة محليا هي تكسير الأثمان والمنافسة بقتل
الجودة، وجعل الخزف مثله مثل سلع الصين الرخيصة، التي تباع على الرصيف. خزف آسفي،
الذي كان يوضع على الرفوف وبداخل خزانات زجاجية لمكانته وقيمته وجودته، أصبح يباع
بجوار السمك وجوارب الصين على الأرض وبأبخس الأثمان.
انتهى في آسفي زمن كانت فيه وفود رفيعة المستوى تأتي لشراء الخزف المحلي لملوك وأمراء الخليج لتزيين القصور الأميرية.في آسفي انتهى زمن كانت أفران الطين تشتغل بدون توقف لتحضير كميات ضخمة من الخزف الموجه إلى القصر الملكي بالرباط وإفران.خزف آسفي أفقدوه قيمته، وحتى تل الخزف الذي صنف تراثا وطنيا تغيرت معالمه، وأفران الحطب عوضوها بقنينات الغاز.الكثيرون هنا يقولون إن زمن خزف آسفي الجميل راح، وعمالقته رحلوا. وحدها الرداءة ورثت هذا الإرث وهذا التاريخ.
انتهى في آسفي زمن كانت فيه وفود رفيعة المستوى تأتي لشراء الخزف المحلي لملوك وأمراء الخليج لتزيين القصور الأميرية.في آسفي انتهى زمن كانت أفران الطين تشتغل بدون توقف لتحضير كميات ضخمة من الخزف الموجه إلى القصر الملكي بالرباط وإفران.خزف آسفي أفقدوه قيمته، وحتى تل الخزف الذي صنف تراثا وطنيا تغيرت معالمه، وأفران الحطب عوضوها بقنينات الغاز.الكثيرون هنا يقولون إن زمن خزف آسفي الجميل راح، وعمالقته رحلوا. وحدها الرداءة ورثت هذا الإرث وهذا التاريخ.
المصدر = http://almassae.ma/node/48610
--_____________---------------_______________--------------------_________
المتحف الوطني للخزف بآسفي
نبذة تاريخية
بموقع القصبة التي تطل على ثل الفخارين وتشرف على قسم من المدينة العتيقة، يوجد المتحف الوطني للخزف بنفس القلعة التي شيدت خلال العهد الموحدي (القرن12-13) و التي استوطنها البرتغاليون خلال احتلالهم لمدينة آسفي بين سنتي 1508 و 1514 حيث شيدوا الحصن الذي مازال يحمل نقيشة شعار ملكهم إمانويل الأول.ثم إنها القصبة نفسها التي دافعت ع ن المدينة بعد أن زودها الملك السعدي المولى زيدان بمدافع هولندية الصنع تحمل ختم السلطان.
تضم القصبة أيضا قصر المولى هشام، ابن السلطان سيدي محمد بن عبد الله، ويعرف هذا القصر باسم الباهية ، وهو يمثل نموذجا للفن المغربي-الأندلسي، ولذلك أطلق على هذه البناية التاريخية اسم دار السلطان .
بعد مرحلة الحماية احتضنت دار السلطان عدة إدارات حكومية قبل أن تصبح منذ سنة 1990 متحفا وطنيا للخزف.

يهدف المعرض المتحفي الجديد إلى تقديم نظرة متكاملة لأنواع من الخزف المغربي في شقيه القروي والحضري عبر تسلسل تاريخي للخزف المغربي، وذلك من خلال تقديم تحف وبقايا أثرية تقدم فكرة واضحة عن قسم نفيس من أوجه تراثنا الثقافي. ينقسم المعرض المتحفي إلى خمس أجنحة:
جناح الخزف الأركيولوجي:
يقف فيه الزائر على قطع أثرية تعود إلى حضارات احتك بها المغرب وتفاعل معها كالفينيقيين و الرومان إلى جانب تحف من إبداع الحضارة العربية الإسلامية في فترة ازدهارها بالقرون الوسطى.
جناح الفخار القروي:
يعرض نماذج من الفخار القروي كما عرفته و تعرفه الأرياف المغربية. بعض هذه التحف تنتمي إلى أنواع أصبحت نادرة الاستعمال كالممخضة الطينية و بعضها الآخر مازال يحتفظ بوظائفه النفعية كالمجامير و الأطباق، وصنف آخر أصبح يستعمل للزينة فقط. ينتهي جناح الفخار القروي بنماذج للخزف الملمع وذلك لإبراز المرحلة الانتقالية التي مهدت لنشوء وتطور الخزف بالحواضر.
جناح خزف فاس ومكناس:
خصص هذا الجناح لخزف فاس و بعض العينات من خزف مكناس حيث يبرز المعرض تنوع الأشكال والزخارف ذات اللون الواحد و ذات الألوان المتعددة.
جناح خزف آسفي:
يجد فيه الزائر تحفا تبرز أصالة الخزف بهذه المدينة وقدمه وتنوع أشكاله وزخارفه سواء قبل أو بعد قدوم بوجمعة العملي سنة 1918.
جناح الخزف المعاصر:
يضم هدا الجناح تحفا صنعت خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين بمدينتي فاس وأسفي، وتتميز بطـــابعها الحـــداثي و بروح الخلق و الابتكار التي تحترم الأصالة المغربية.


المصدر = http://www.minculture.gov.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=742%3A2010-01-22-11-37-18&catid=67&Itemid=133
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق