من أنا

صورتي
أناس تنفسوا الطين عشقا ’ ذابوا من مغازلته غربا وشرقا ’ بلمسات أناملهم أنطقوا الطين نطقا ’ من كثر شوقي لهم يخفق القلب خفقا

09‏/05‏/2010

مقالات د.نبراس احمد الربيعي عن الخزف

د.نبراس احمد الربيعي




 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

حوار مع الكاتبة 

الخزافة نبراس أحمد الربيعي .. مهرجـان الكليـة لهـذه السـنة جعلنـا نــرى بغـداد مــن جـديــد مـشـرقـة

 





حيدر عاشور






تسعى كلية الفنون الجميلة المتمثلة بعميدها الدكتور عقيل مهدي علي، على تحفيز الفنانين العراقيين ممن امتهنوا مهنة تدريس الفن بالكلية وان يتواصلوا بكافة الفنون لينجزوا اعمالهم الابداعية امام طلابهم وبمساعدتهم ايضا.فوجدت معرض الاستاذة السنوي الخاص بالتشكيل والمسرح وباقي الفنون الاخرى فعند مدخل الكلية تعمل حاليا الدكتورة نبراس احمد جاسم الربيعي على تزيين المدخل ببعض المنحوتات من اعمال الرواد والمحترفين وعمل جدارية جديدة على شكل شلال يساعدها بعض الطلبة الذين يدرسون مادة الخزف على يديها.

(الاتحاد) التقت الفنانة نبراس الربيعي فكان معها هذا الحوار.


* ما فكرة معرض الاساتذة وما الغاية منه؟


ـــ جاءت هذه الفكرة وفق سياقات عمل الكلية في إدامة الروح الفنية لدى المبدعين العراقيين من الاساتذة ، اشرف عليها الدكتور عقيل مهدي علي عميد كليتنا، من اجل تواصل الاساتذة في الفن التشكيلي خاصة وباقي الفنون عامة. من اجل ان يرى الطالب الموهوب كيف يعمل أستاذه، كذلك حضور الاستاذ الجامعي كفنان.


* كيف يتم الاستعداد لهذا المعرض؟


ـــ يأتي بإيعاز من عمادة الكلية قبل مدة محددة، وتشكل لجنة تشرف على الاعمال التي يقدمها الاستاذ الجامعي الفنان. وغالبا ما يشارك الطلاب اساتذتهم فيفتتح المعرض بكرنفال جامعي تمتزج فيه روح الموهبة الطلابية وابداع الاستاذ.


* ماذا ستقدمين في معرض الاساتذة؟


ـــ كما تشاهد اعمال جدارية كبيرة عند مدخل الكلية وهي عبارة عن تكوين فني بشكل جمالي بمعاملة السطوح الملمسية مع نصب لحوض على شكل شلال (نافورة) تدور حوله اضاءة ملونة بهذا العمل وظّفت امكانات الطلبة، فتألقوا بهذ العمل الذي اعتبره منجز مهم للكلية.


الطلاب هم (صلاح طعمة وعمار صالح وقصي وهيبي وصالح صادق وحسنين غائب) من طلبة الصفوف المنتهية . كذلك سأشترك بعمل خاص وهو نحت لتمثال امرأة من البرونز تحمل علامات الحزن والوجع من الواقع الحالي.


* من قدمك لوسط الخزافين؟


ــــ تعلمت الخزف على يد ابو الخزافين (سعد شاكر) فهو اول من وقف معي وعلمني اسرار كثيرة لهذا الفن، وبعدها عملت مع الفنان تركي حسين واكملت مشواري الفني مع محمد العريبي فهؤلاء جميعا لهم الفضل في تكويني كخزافة اضافة الى تكملت رسالتي الماجستير والدكتوراه حول فن الخزف، واحاول حاليا نقل معرفتي بالخزف الى طلابي في كلية الفنون الجميلة.


* متى عرفت كخزافة عراقية؟


ـــ عام 1985 ـــ 1986 عند مشاركتي في معارض مشتركة مع كبار الفنانين اضافة الى مشاركتي في معارض عالمية وعربية وخاصة مصر وسوريا فكانت هناك مسابقات في فن الخزن فحصلت على جوائز وشهادات منها جائزة الفن المعاهد عام 1997 وافضل اعمالي في مهرجان نيبالي في بغداد عام 2001.


* هل لديك معرض شخصي؟


ـــ مشاركاتي جميعها في معارض مشتركة ولكني استعد حاليا الى انجاز معرضي الشخصي الذي استخدمت فيه اكثر من عشرين قطعة خزفية. حاولت من خلالها نقل تجاربي الذاتية عبر السنين التي ذهبت دون ان نلمس حقيقتها الا من خلال اعمالنا.


فاكملت عشرين لوحة على هذا الاساس ووضعت فيها كل خبرتي بفن الخزف فاستخدمت النحت والبرونز بآليات وتقنيات حديثة.


* هل تحتضن كلية الفنون الجميلة الطاقات الفنية؟ وهل تدعمها ماديا؟


ـــ الكلية رمز فني كبير كونها تحتوي على قامات فنية كبيرة تحاول ان توصل تجاربها الى الطاقات الشابة الواعدة والتي لها تأثير واضح بالمنجز الحالي. ولكن الدعم المادي فقير جدا اضافة الى نواقص كثيرة في الخامات والمواد التي تستخدم في عملنا فهي تفتقر الى اشياء مهمة في تكوين الفنان، ويحاول د. عقيل مهدي جاهدا تذليل الصعاب امامنا وامام الطلبة لذلك حاولنا هذا السنة ان تكون متميزة في مهرجانها السنوي فكانت رعاية حقيقة من عقيل مهدي، وكرنفالا واعدا انجزه الاساتذة والطلاب فجعلنا من خلال الكلية نرى بغداد جميعها مشرقة.



http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=article&sid=38987
________--------_________---------___________---------__________----------___________
مقالاتها عن الخزف
الخزف المعاصر في مصر
لا يمكن حصر عوامل التحد يث الفني باسباب متماثلة ، كسيادة انظمة وعادات ومؤثرات متقاربة ، بين قطر وآخر . فضلا عن صعوبة الاستنتاج حتى في حالة تحديد المنهج والعوامل المشتركة . فتداخل الاسباب وتنوع التفاصيل لها أثرها في تحديد الوظائف وعلاماتها الفنية . فاذا كانت المسارات العامة لنتائج قوانين معمول بصوابها ، كما اشرنا اليها في سياقات البحث ،قد فسرت لنا ان النظام الاجتماعي والمعرفي والثقافي العربي قد تعرض لعوامل متماثلة ادت الى التحديث ، وظهور حداثات بسمات مختلفة ، فأن هذا الاسلوب لا يقلل من خطورة اهمال عدد ما من العوامل لها اهميتها في نظام تحديد السمات الفنية للتكنيك والرموز والعلامات . بيد ان المسار العام لبحثنا لم يلغ الخصائص الفنية لكل قطر وكأنها محض ثوابت ، وانما اشتغلنا على تعقب العوامل المشتركة ( 1 ) . ولن يختلف فن الخزف في مصر عن الاقطار العربية الاخرى الا بما يمتلك من مجموع عوامل الموروث والبيئة ومفاتيح الاستجابة وسمات التحديث ، وفي مقدمتها اثر التكنولوجيا في مسار التطور العام اولا ، وعلى الصعيد الثقافي والتقني ثانيا ً .
والتحديث في مصر لعمل فن له طابعه الخاص منذ نهايةالقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على نحو ملموس ومؤثر ، له ذاكرته التاريخية والاحصائية ( 2 ) وله حدوده الفاصلة بين ماقبل ( التحديث ) والمراحل اللاحقة ويختلف باختلاف اعادة صياغة كاملة للمفاهيم الفنية والثقافية ( 3 ) .
ومع ان باحثا ً مثل ( ريجل ) يقلل من شأن التطور في الفن ، بل لا يرى ان هناك تقدما أو استمرارا من عصر الى عصر آخر ، على صعيد فهم الطبيعة ( 4 ) الا ان التحول ، والتقدم ، والاختلاف الاجتماعي ، والازدهار النسبي للتحديث العام الذي حصل في مصر خلال القرن الماضي ، برهن ان التحولات العامة كانت لها انعكاساتها على صعيد انظمة اشكال الثقافة والفنون ومنها فن الخزف .. لان اشتغال هذه الانظمة وضع فن الخزف في اطار التجديد وتلبية ذائقة ولدّتها الوقائع والتحولات .. فلم تعد ( الجرة ) ، على سبيل المثال ، بما تمتلك من وظائف ودلالات رمزية ، وشعبية متوارثة ، وبما تمتلكه من جذور عميقة ، الا إمتدادا ً مغايرا ً ومتداخلا في تجارب التحديث والحداثة بصورة عامة . فقد صار الخزاف يعالجها بمنظور آخر دون اهمال قيمتها كدال يتضمن لاوعيا ً جمعيا للتراث المصري . كما ان الخزين الشعبي والمعرفي بتنويعاته لن يغادر الاشكال والمعالجات المختلفة ، فجمع في بساطة بين معاني الصفوة والعامة ، والحديث والقديم ، والمفرد والعام ، والتزم الفنانون هذا بواقعهم الاجتماعي السائد بين الناس مما ميزهم عن حركة الاحيائية ، وعن حركة التقليديين ( 5 )
فاذا كانت العصور الوسطى قد شهدت ازدهارا لفن الخزف ، فان العهد العثماني ، منذ الربع الامل للقرن السادس عشر الميلادي ، مارس أثره في مصر ودفعت بالفن الى الاساليب التقليدية الهزيلة من ( القلل والازيار والبلالعي والمواجير ) ( 6 ) حيث حتم التحديث ظهور تجارب متنوعة ، ومنها مبادرة ( جونسون باشا ) – الذي كان يشغل منصب مديرا للورش الاميرية – بانشاء مصنع للخزف في منطقة ( فم الخليج ) مستخدما بعض الافران ( للزجاج الملحي ) في إنتاج الترابيع القاشانية ، لكن المصنع لم يستمر طويلا ً ، اذ توقف عن العنل في نهاية القرن التاسع عشر .
بيد ان تاجر الخزف الاسكندراني ( ماثيو ) كان يشتغل باستيراد الخزف من اليونان الى الاسكندرية ، كان قد انشأ مصنعا ً للخزف بالاستعانة بالخزاف الفرنسي ( كوتيه ) الذي استعان بدوره بالخزافيين اليونانيين ، فضلا عن وجودخبراء مصريين بما كانوا يمتلكونه من مواهب كامنة ، مستخدمين في تجاربهم الطينات المحلية بعد خلطها بطينة ( الاسوانلي ) مع طينة ( النيل ) وطينة ( التبين) .. كما استخدموا بعض الطلاءات الزجاجية ذات القواعد الرصاصية ، فضلا عن استخدام مادة الفلنت بعد تكليسها وطحنها .
تبع ذلك مجيء ( لامبو مارنجاكس ) في اواخر القرن التاسع عشر ، وقد كان شريكا ل( ماثيو ) باديء الامر في مصنع ( طرة ) ثم انفصل عنه واقام مصنعه في روض الفرج تحت اسم ( مصنع مارنجاكس ) للطوب الحراري والمواسير وبعض الاواني الخزفية ، وكان يعتمد الاسلوب العربي في تنفيذ الزخارف ، كما استخدم الطينات العادية المسامية والبطانات الطينية الملونة ، ووظف تقنية الكشط فيها لاحداث زخارف متنوعة تتسم بالزخارف الاسلامية ومعالجة بعد ذلك بالطلاء الزجاجي الشفاف ( 7 ) .
وكانت هناك ، في هذه المرحلة ، محاولات من لدن الحكومة من اجل استعادة امجاد الخزف في ماضيه المجيد – ولا نقول الخزف الفني كما في تجارب الحداثة – فكانت هناك محاولات لتصنيع البورسلين أو الصيني ، فارسلت بعض الخامات المحلية المصرية الى اوربا لكي تحصل على تحليلاتها وتحديد مدى الاستفادة منها صناعيا ، كما تمت الاستعانة بعدد من الخبراء الاجانب ، ومنهم الخبير الانكليزي ( وليم دي مورجان ) – الفرنسي الاصل – وكان خزافا مشهورا في الوقت نفسه . فقد قام هذا الخزاف الباحث بدراسة صلاحية الطينة المصرية والخامات الاخرى الصالحة لانتاج البورسلين ، فاستعان هذا بدوره بعدد من الكيماويين بينهم ( د. ماكنزي ) مستعينا بعددمن ضباط الشرطة لتيسير مهمة التجول والتنقيب ، كما استعان بمجموعة منتقاة من العمال المصريين الذين تركوا لنا ، في مجال الخزف ، احفادا يعملون بناحية الفسطاط بالقاهرة حتى يومن هذا ( 8 ) .
تناولت ابحاث ( مورجان ) الانواع الطينية المصرية ابتداء ً بطينة ( الاسكندرية ) وصولا الى ما بعد طينة ( اسوان ) . وكانت العينات تفحص كيماويا ، كما تدرس قابليتها على التطويع .. وبعد دراسة العينات في لندن ، كتب تقريرا ً بعنوان ( إمكانية الخزف المطلي في مصر ) . كان البحث غنيا بالمحاولات والتجارب الكيمائية التي اسفرت في النهاية عن عدم الوصول الى نتيجة ايجابية ، اذ اقر الباحث باستحالة انتاج البورسلين بواسطة الطينة المصرية .
ومع بداية القرن العشرين ( 1905) بدأ الايطالي ( سورناجا ) بحوثه على الخامة المصرية ، بهدف إنشاء صناعة خزفية محلية ، لذا انشأ مصنعه ( الودي ) ( 9 ) عام (1907) الذي ما لبث ان تحول ، بعد سنوات قليلة ، الى شركة مساهمةلأنتاج الحراريات . لقد نجح هذا الباحث بانتاج الخزف الصناعي - في سياق الاستخدام اليومي وليس الجمالي أو الفني – ولكن سرعان ما تاثر بالاجواء الشرقية الساحرة ، فبات يطمح الى ابداع خزف له هويته العربية ، فكان يستعين بالنخبة من العمال المهرة وتحت امرة الاسطوات وكبار السن من المعلمين الذين كان يأتي بهم من فواخير الفسطاط .
كان لـ ( سورناجا ) في تلك السنوات ،الاثر الكبير على الحركة الفنية ، اذ انتج الترابيع القاشانية ، والاطباق والاواني ذات الزخارف العربية المنقولة عن الامشق الاسلامية ، وهذا ما جعلها ذات اهمية لا تذكر ، لأنها تفتقر الى صيغة الابتكار والابداع التي يقوم عليها اي فن من الفنون ، وهنا يمكن وصف أواني ( سورناجا ) وخزفياته بطابعها السطحي الذي يوحي بالاساليب الشرقية ، ولكن في اعين السائحين الاجانب . ( 10 )
توالت بعد هذه المحاولة ، محاولات أخرى لأنتاج الخزف الفني ، حيث تولت الدولة بعض مشاريعه ، والبعض الاخر كان تجاربا فردية ، لكنها لم تحقق النجاح المرجو ، اذ كانت عبارة عن ارهاصات ، واشبه ما يكون بدقات في المسرح ، ايذانا ً بفتح الستار . ( 11)
وفي سياق مماثل ، جاء مشروع السيدة هدى شعراوي ، الذي اتسم بالعفوية والسذاجة ، لكنه عد ، لأسباب عديدة ، مؤثرا في تقدم فن الخزف في مصر .. فقد انطوى مشروعها على رغبة حقيقية في الابداع .. فقد عرفت شعراوي بحبها للفن وشغفها بالادب عبر صالونها الذي كان ملتقى ثقافيا الى جوار اصحاب النفوذ. كما دعمت ماديا العديد من المواهب ، ومنهم النحات الكبير ( عبد البديع عبد الحي ) الذي ما زال يمد الحركة التشكيلية المصرية بالمزيد من الروائع الفنية . ( 12 )
يعد مصنع ( الهدى ) الذي تاسس عام ( 1927 ) ، نموذجا للمحاولات الفردية الجادة على الصعيد الفني .. وكان الحري ان يسمى ( مصنع الهدى ) بـ ( مرسم الهدى ) اذ كل ما كان يجري هو عمليات الرسم على الاواني الفخارية الجاهزة وبالوان زيتية . وقد نشأت هذه الفكرة حين التقت الشعراوي بمدرس الزخرفة الاسلامية – الفرنسي الاصل – والذي كان يعمل في مدرسة الفنون الجميلة ، اذ كان المدرس يهوى الزخرفة العربية مما صادف قبولا عندها ، فحصل الاتفاق على ان تشيد المصنع وتزوده باواني فخارية جاهزة من صنع ( مارانجاكس ) الذي كان مجاورا لمصنعها ، ثم يتولى هو وبعض المساعدين رسم الزخارف العربية الجميلة وبالالوان الزيتية ، وهذه العملية هي أبعد ماتكون عن فن الخزف . ( 13 ) ان حماسة السيدة شعراوي لفن الخزف جعلها ترسل الفنان ( محمود صابر ) ( 14 ) الذي كان يرسم الزخارف العربية بالالوان الزجاجية على الاواني الفخارية في مصنع ( سيفر ) في فرنسا ، ولكن دون ان يتلقى تدريبا على عمليات إنتاج الخزف ، مكتفيا ، بعد عودته الى مصر ، على تشييد الافران لأحراق الاواني المزخرفة بالوحدات العربية . ( 15 ) وفي العام (1928 ) كان الفنان سعيد الصدر قد انهى سنواته الدراسية الاربع بمدرسة الفنون والزخارف بالحمزاوي ، وقد كان ترتيبه الاول من بين اقرانه التسعة ، والذي سيلقب فيما بعد ب ( ابو الخزف في مصر ) .. كان الصدر ، منذ صباه ، يهتم بكسر الفخاريات والخزف ،فيجمعها من بين الاطلال متأملا الوانها ووحداتها الزخرفية وخاصة في بقايا الخزف الفاطمي والمملوكي في ( قايتاي ) ، فقد كان يشعر بسحر وغموض يكمن في هذه الشظايا ، مما اسهم في شحذ حساسيته اللونية والزخرفية ، في الوقت الذي كانت تصقله فيه الحان سيد درويش ، وزكريا احمد ، ومشاهد الاحتفالات الشعبية والدينية في الازهر و ( سيدنا الحسين ) . وهي من بين العوامل التي اثرت في شخصيته ورؤيته الابداعية بطابعها القومي والعالمي . (16 ) لقد كان لمدرستا الفنون الجميلة والفنون والزخارف اللتان انشئتا في اوائل الثلاثينيات من القرن العشرين بالقاهرة المصدر الاساسي في ايجاد دارسين للفن ،والذي سمح للحكومة بارسال بعض الطلبة المتفوقين الى باريس وروما ولندن للدراسة على نفقتها وذلك للعمل ، عند عودتهم الى جانب اساتذتهم الاجانب من المدرسين ، وقد كان من بينهم الخزاف الصدر . (17 ) كان ناظر مدرسته ( جون اوني ) الانكليزي الجنسية ، يطمح لوجود اقسام متخصصة لفن الخزف ، الامر الذي حول اعجابه بالصدر الى حافز لترشيحه ببعثة الى لندن .. حيث حصلت البعثة . وفي لندن تتلمذ على يد ( برناردليتش ) الذي اعتبره الصدر الاب الروحي له ، حيث تنازل هذا الاخير عن المبالغ التي يستحقها مقابل المحاضرات التي كان يعطيها للصدر . وكان ( ليتش ) يرى في الصدر انموذجا للجد والنشاط والعبقرية الفنية . ( 18 ) ان دراسة الصدر في اوربا كان لها الفضل الاكبرفي تطعيم الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة باساليب ونظم وقواعد قائمة على تيار الحداثة في اوربا ، والذي يواكب المنحى التجريبي وخوض غمار البحث في نظم واصول وقواعد الجمال والاثار الفنية الفرعونية والقبطية والرومانية والاسلامية ، فكان بحثه ينسجم مع تيار عام لا يذهب مذهب تقليد الفنون الموروثة والفنون الشعبية ، وكانت ندواتهم مسموعة بقدر كبير .. ومن هنا فان الابداعات التشكيلية المصرية لازمتها غالبا ذاتية المبدع وهويته في خطواته نحو تيارات فنية عالمية ، الامر الذي دفع بظهور الجماعات الفنية التي عملت على شرح ونشر وكتابة ومناقشة آرائها ومفاهيمها الجمالية والتشكيلية والاجتماعية جماهيريا في معارضها المستمرة . ولا نغفل ، هنا ، ان الصدر اتصل بالشعراوي حين عاد من لندن عام ( 1931 ) عارضا عليها مساعدته للنهوض بوضع المعمل الذي تعثرت اعماله ، فكانت اجابتها ان يعمل على ادارته كما يشاء ، الا ان رفضه كان قاطعا لهذه الصيغة من التعامل . وفي العام ( 1935 ) شاءت المصادفات ان يكون الصدر احد اعضاء لجنة شكلت لهدم مصنع (الشعراوي ) المغلق لعدم صلاحيته للتشغيل .
وهكذا كانت المحاولات الثلاث الرئيسية التي سبقت ظهور الصدر ، وكأنها دقات تلاث ايذانا بازاحة الستار عن ساحر الاواني :
- محاولة وليم دي مورجان
-محاولة سينور سورناجان
-محاولة هدى شعراوي التي انتهت سنة 1930 ليبدأ الصدر دوره عام 1931 .
ان اعمال الصدر ، في المقارنة مع التجارب السابقة، ومنها الخزف الفاطمي(969 – 1171) بما فيه من خشونة وغلظة ،تظهر اضافاته الفنية على صعيد الموروث، كما انه لم يقم بمحاكاة او استنساخ الخزف الاوربي ، اذ لم يكتف بالانبهار ، ولم يخطر بباله ان الخزف الاوربي اكثر تقدما من الخزف التقايدي ، كنتيجة للتفوق التكنولوجي للبلاد الاوربية كما يحدث عادة للفنانين حيث تبهرهم تقنيات الشعوب المتقدمة . (19 )
واستمرت المحاولات في انشاء المصانع لانتاج الخزف الصناعي ، ففي عام ( 1939 ) اقام ( كانيلاتوس ) مصنعا لانتاج الطوب الحراري والمواسير الفخارية والمعالجة بطلاء ملحي لاغراض صناعية ، كما انشيء مصنع ( سيجوارت ) لانتاج المواسير وبعض البلاطات القاشانية لتجميل الواجهات المعمارية . وقد ادخلوا خلطاتهم الطينية الاسطوانية المحلية ، مع الطينة الاسوانية ، الى جانب الطلاءات الرصاصية .
وكان للحرب العالمية الثانية اثرها في الحياة العامة ، كما اثرت في المسارات الفنية والثقافية ، ومنها فن الخزف ، حيث اثرت على الوضع العلمي انذاك - اذ اوقفت البعثات في اوخر الثلاثينيات وحتى نهاية الحرب . فضلا عن توقف النشاط الفني والانشغال بظروف الحرب .
وما ان وضعت الحرب اوزارها حتى بدأ الدولة ببعثاتها الفنية ، الى اوربا ، للتعرف على واقع الفن وحداثاته السائدة ، فضلا عن اكساب الخبرات العلمية والتقنية التي تواكب روح العصر . وكان من بين المبعوثين الفنان عبد الغني النبوي الشال الذي اوفد عام ( 1945 ) الى انجلترا . ( 20) لقد اسهمت الحرب في شحذ العقول المصرية ، اذ ان ظروف الحرب ادى الى انقطاع استيراد الخزف مما وجه التفكير الى البيئة المحلية ، حيث تم اكتشاف طينة ( سيناء البيضاء ) لتكون مثار ابحاث علمية في المركز القومي للبحوث ،والتي اثبتت انها صالحة للانتاج ، وكان ذلك منذ عام ( 1948 ) حيث اكدت البحوث صلاحية الخامات المصرية لانتاج الخزف الراقي والحراريات . ( 21 )
تبع ذلك انشاء الشركة العامة لمنتجات الخزف ، مثل انتاج الادوات المنزلية والعوازل الكهربائية ، فضلا عن محاولات انتاج الخزف الصيني عام ( 1957 ) .
وفي هذا الاطار ، يقول الكتور باسل فاضل (( لقد لقي فن الخزف الكثير من الاهتمام من قبل الحكومة المصرية وولاة الامور ، اذ ادخل كمنهج في مراحل التعليم المختلفة ، كما زاد الاهتمام بالبحوث الاكاديمية والحصول على درجة الماجستير والدكتوراه فيه وخاصة في العشرين عاما الماضية )) ( 22 )
ولن ننسى ان نذكر جهودا خاصة في تاريخ الخزف بمصر منذ منتصف القرن العشرين . فقد قام حسن حشمة مصنعا للخزف اثناء الحرب العالمية الثانية ، اذ لم تمنعه ظروف الحرب عن اسهاماته الجادة والفاعلة في تطوير مسيرة هذا الفن .. خاصة اثر الانظمة التقنية ودخول التكنولوجيا والمهارات التكنيكية في الاشكال الاستخدامية وعلاماتها الجمالية والفنية بما لا ينفصل عن التحديث العام في الذائقة الاجتماعية . فالخزف لم يعد محض سلعة ، بل صار علامة تقارن بالفنون المستوردة ، الى جانب اثر المظاهر الفية الجديدة للتحديث العام في مصر .
كما كانت هناك العديد من التجارب ، كتجربة الفنان ( احمد شعير ) في بناء مصنعه في مصر القديمة والذي توقف عن العمل بعد وفاته .. كذلك اقام ( فتحي محمود ) مصنعه الذي مازال مستمرا ً بالانتاج الى يومنا هذا وقد عهد بادارته الى زوجته ، وكذلك مصنع ( الفولي ) في مصر القديمة .
لقد كانت مساهمة الخزافين المصريين في المعارض والمحافل الفنية بمختلف دول العالم اشارة بوحدة منابع الفنون مع الاعتراف بالخصوصية الذاتية ومكانة الرؤية الخلاقة للذات المبدعة . فقد كانت مشاركات الخزاف المصري ( منير مصري ) يتوازن مع القيم الانسانية والمعايير الجمالية التشكيلية لفنون القرن العشرين ، وكبداية لفن جديد يحقق هوية وذاتية المبدع بصورة مكملة لوحدة وعالمية الفن واثر الحديث في الابعاد الفنية والجمالية . وهكذا ستظهر فعاليات عديدة مثل بينالي ( القاهرة) الدولي للفنون التشكيلية .. وبينالي الخزف الدولي ، وبينالي الكرافيك الدولي ، مما ساعد على اشتراك بلدان العالم في هذه المعارض ، ودخولها في حوار الافكار والاساليب والمدارس المعاصرة ، واثر ذلك في إ ثراء التجربة التقنية والفنية المصرية المعاصرة . كما كان لأنشاء المتاحف الخاصة بالفنون التشكيلية التي فتحت ابوابها بالمجان اثره في التطور الابداعي ..ومنها على سبيل المثال : متحف الفن الحديث ، متحف محمود خليل ، متحف الخزف ، متحف النوبة ، ومتحف 6 اكتوبر ، مع العديد من المتاحف في المحافظات . كما ظهرت بعض المتاحف الخاصة بخزافيين معاصرين ، ومتخصصة بعرض الاعمال الخزفية وبعض المقتنيات الخاصة بالرواد في مصر . وابرز هذه المتاحف هو متحف الخزاف المرحوم د . نبيل درويش .( 23 )
لقد كان درويش احد تلامذة الخزاف سعيد الصدر ، الذي رعاه واولاه عناية خاصة . ولان الخزاف درويش ادرك بما يمتلك من موهبة واخلاص ، ان الخزف شديد الارتباط بفن النحت والتصير ، فقد ادى ذلك الى التحاقه ، وفي اوقات فراغه ، بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة ، حيث كان طالبا انذاك ، كما ان دروسه في فن التصوير التي تلقاها على يد الاستاذ ( احمد زكي ) ودروس النحت التي تلقاها ايضا على يد الفنان ( جمال السجيني ) افادته كثيرا في تطوير مهاراته الفنية في فن الخزف وجعلت منه نحاتا بارعا .
وقد قالت عنه الكاتبة ( روضة سليم ) - : (( ان اعماله تشدك حتى تصل اليها وتقف امامها فتجد لزاما عليك ان تمعن النظر فيها . لقد برع هذا الفنان في مجال النحت الخزفي مستقيا ً اشكاله من الفنون الشعبية ومفرداتها البسيطة ، وحازت مجموعته الفنية المتمثلة بمجموعة العرائس الفخارية المعلقة على اعجاب مشاهديها وخاصة في مرحلة السبعينيات))
وعلى الرغم من الاثر الكبير الذي تركه استاذه عليه ، على صعيد افكاره الفنية ، الا انه اتجه الى الطبيعة واعتبرها معلمه الاول . فقد ادرك ان الجمال هو تعبير عن نشاط خفي ينمو ويتطور وفقا لنظام ، والنظام يتضمن معاني التوافق والتماثل والتجدد والتوازن في العلاقات والانسجام في النسب .
لقد كان لهذا الفنان الكثير من البحوث في مجال الاطيان ، اذ اكتشف في (الكويت ) (24) اطيان ذات طبيعة رملية وصالحة للابداع الخزفي المحلي ، وكانت دعوته للفنانين الكويتيين في استخدام الطينة الكويتية المحلية ، كلما كانت زيارته الى كل من ( ايران والعراق وتركيا وسوريا ولبنان ) سعيا وراء منابع فن الخزف الاسلامي والعربي الذي هو على حد قول الناقد ( مختار العطار ) - : الاصل الحقيقي للتجديدات التي نشاهدها الان في اوربا .
ولأن الخزاف درويش يدرك ان الخزف يجب ان يحقق القيم التشكيلية لعمله عن طريق معاناة الخلق الفني وعبر فيزياء الخزف وكيمياء معادلاته وتكنولوجيته ، وطريقة الحرق والتحكم بالحرارة ، فان الخزاف يجب ان يتمتع بالخبرة التي تستغرق وقتا طويلا ، فكان نتاج درويش وخاصة في مجال ( الاختزال والتطعيم ) دليل واضح على ما تقدم . لقد توصل الفنان وعبر ثلاثين عاما من العمل المتواصل في مجال الخزف ، الى ما لم يتوصل اليه خزاف آخر ، تقنية ( الفوهة السوداء ) التي كانت مستخدمة في اواني ما قبل الاسرات . وقد كان لهذه التقنية النصيب الاوفر في دراسته العليا ( الدكتوراه ) فقد فض اللثام عن الطريقة التي إتبعها قدماء المصريين في صنع فوهاة سوداء لانيتهم ، ويعد ذلك كشفا علميا مزدوجا ، على مستوى الاثار والخزف .
وقد استمر الخزاف بتجاربه الفنية المميزة حتى انك لترى انجازات فنية من خزفياته جمع فيها ما بين تقنيتي التطعيم والتدخين في آن واحد .
لقد كانت اعماله تضاهي اعمال ( هامادا) ، بل ان الاخير عجز عن تحقيق ذلك الاحساس بالالوان المائية على الطلاء او ( --- الاسود ) المعروف (بالبلاك ميرور ) ، وحيث فشل ( هامادا ) نجح درويش ، فقد تمكن درويش من توظيف اللون الاسود على خزفياته دون تاثير واضح على الالوان الشفافة المحاذية له .
والفنان درويش يرفض امرين ، اولهما ما يسمى ( بالشكل الحر ) والاخر ما يسمى ( بالصدفة ) . كما يرى ان كلا من هذين الامرين يتنافى ومفهوم الابتكار في فن الخزف ذلك لانه يجد ان فن الخزف كباقي الفنون الابداعية ، اذا ما انحسر عنها الانسان ، انتفت عنها صفة الانسانية ، ومن ثم ما عادت فنا ً .
وفي هذا السياق ثمة شهادة دونها استاذه الصدر جاء فيها - : ( انني اراه بدون اي تردد أو تأرجح في الرأي أو مجاملة لشخصه ، فدرويش عاش ويعيش في تعبد كامل لفنه الذي اختاره لنفسه وان الدم الذي يجري في عروقه يتميز بالصفاء الكامل المتزن بكل ماهياته الطبيعة من علوم الجمال وفنونه وما لها من اعمال لها اصالتها النابعة من الاعمال البعيدة ، ومن التقاليد التي يعيشها انسان وادي النيل ) ( 25 )
وتأتي تجربة ( حسن حشمت ) في سلسلة التجارب الخزفية المصرية المعاصرة ، اذ استطاع ان يحول خامة الخزف من مجرد آنية الى النحت التجاري أو النحت الخزفي كمنتج صناعي ، او البورسلين ، مما اسهم في مساعدة الطبقة الوسطى لأقتناء اعماله لقلة كلفتها . ( 26 )
وللدكتور الخزاف الباحث عبد الغني النبوي الشال شأن كبير في تطوير فن الخزف المصري المعاصر ، اذ ان كتاباته الفنية ، في مجال الخزف ، وعمله في تدريس هذه المادة في كلية الفنون التطبيقية ، حيث كان لدوره التربوي والفني الاثر في طلابه واساليبهم الابداعية .
اما ( عبد الكريم ) النحات والخزاف والمصمم الاعلامي ، فقد اضاف الى تجربته في فن النحت الخزفي قيما جديدة في استخدام المادة المتنوعة والمختلفة ، والتي اسهمت ببصيرته النافذة على ابتكار رؤية حديثة في الخزف عبر التنويع والسطوح والكتل والحجوم وحركتها على مساحة العمل الفني في اطار المعمار الاساسي للتقنيات التركيبية ، وصلابة مفرداتها البنائية .. ومع كل التنويع ( في التركيبة ) فان هنالك اندماج بين عناصر عمله الفني ، وخصائصه المضمونية ، على الرغم من المظهر التجريدي للوحدات التي تصدم العين غير المدربة على مثل هذه الاشكال .
والخزاف ( سيدعبد الرسول ) فقد اعتمد الطابع الشرقي المميز في انتاجه وخاصة في خزفه ذو البريق المعدني ، في منحوتاته الخزفية ، اذ تبدو الحساسية والدقة من ناحية الصياغة وبناء الوحدات الشكلية منسجمة ورؤيته الجمالية من ناحية ثانية .. كما تجمع تجربته بين استعارات الفن المصري القديم وبين المنمنمات والرسوم الشعبية على الجدران .. وقد قاده البحث في اللون بالدرجة الاولى الى ادراك عميق بالبيئة وبمكوناتها . ( 27 )
والفنان الخزاف ( حسن عثمان ) اعتمد ، في تجاربه ، الاتجاه الموضوعي : التجهيز في فراغ معد ، حيث استخدم الخامات من خلال الوسيط الخزفي جامعا النحاس والخزف ، وبين المسطح والمجسم في عمل تعبيري متكامل لخلق جو عام زاخر بالاحاسيس والرؤى والافكار الذاتية . كما استخدم مجموعة من العناصر المختلفة في التشكيل تجمع بين الاشكال الهندسية والعضوية ، وعبرمجموعة من التقنيات المتمثلة في عملية التشكيل والصياغة وطريقة توزيع العناصر ، وطرق تطبيق الطلاء الزجاجي باسلوب تعبيري بما يحقق فكرة العمل الفني . ( 28 )
وفي مجال تنوع الانظمة واثرها على الاشكال والعلامات نجد الخزاف (محمد طه حسين ) يستلهم الاشكال والرموز الشعبية للاواني بعد معالجتها بالتقنيات الحديثة ، معبرا عن شخصيته وانجذابه لعراقة الموروث الشبي وعلاقته بالانسان والارض . فقد قام الفنان بأخذ مجموعة من الاشكال الشعبية وتركيبها ومعالجة سطحها بالملامس والالوان لكي يوضح فكرة العمل التعبيري بما تنسجمد مع اسليب الحداثة .
والفنان ( محمد الشعراوي ) ، في اسلوبه التركيبي والتجميعي ، يستمد رؤيته من اثر البيئة العربية في الصياغات الخزفية ، كاستلهام البيوت الشعبية ببساطتها ، وبدلالاتها الرمزية . كما راح يحورها الى حروف عربية مجسمة في هيئة تكوين يجمع بين البساطة والتعقيد ، مستخدما عناصر الخط والفراغ الداخلي والخارجي والملمس كأساس لبناء تشكيلة تفصح عن رؤية الفنان والجمالية .( 29 )
وللفنانة ( مرفت السويفي ) صلة بالاسلوب الموضوعي ومعالجة الاشكال داخل الفراغات ، معتمدة اسلوب التوليف ليساعدها على تحقيق رؤيتها التعبيرية التي جسدت فيها عن نهاية القرن العشرين ، فاستخدمت الاسياخ الحديدية والاشكال الخزفية من خلال عناصر مختلفة تجمع بين الشكل العضوي والشكل التجريدي معبرة فيها عن مآسي هذا القرن . (30)
ان الاشارات التاريخية لتطور فن الخزف في مصر ، كما في غالبية الاقطار العربية ، مرت بمراحل استندت الى مجموعة التطورات والانتقالات أدت الى ظهور بواكير التحديث وصولا الى تجارب لها بناها التقنية والفنية على صعيد علاقات الاشكال بالانظمة الابداعية . فاذا كان الاحتكاك المباشر ، مع اوربا ، يؤشر خصائص المرحلة الاولى .. فان تأسيس المشاغل ، والمحترفات ، واهتمام الدولة بالمعاهد الفنية ، له اثره في ظهور اسماء وتجارب اشتغلت بانظمة مغايرة للفنون التقليدية . تبعها ارسال بعثات لدراسة الخزف في مختلف بلدان اوربا ، والعودة بخبرات وافكار اسهمت بخلق قاعدة جديدة عملت على اجراء مداخلات ومحاورات بين الموروث المصري القديم والوسيط والتراث الشعبي مع انظمة الحداثة السائدة في اوربا .. وقد عكست المهرجانات الدولية والقومية والقطرية عبر التجريب والتنوع والغزارة في المنجز الفني والصناعي ، عن تعددية في انظمة التقنيات والاساليب الفنية والابعاد الجمالية. فهذا التنوع ادى الى ظهور مهارات فردية استثمرت خبرتها بابداع اشال تتوازن فيها المرجعيات والاضافات المعاصرة . فمن الصعب دراسة المشهد الخزفي العام خارج دراسة التجارب الفردية ، التي رسمنا سياقها عبر التحولات الاجتماعية ومجمل المتغيرات الثقافية والاجتماعية . فتاريخ الخزف المصري واصل تأثيراته ، كنظام يمتلك علاماته المتوازنة وخزينه المعرفي ، الى جوار الاساليب المعاصرة ، في بلورة مساحة متشعبة من الريادات والمغامرات الفنية ، وصولا الى بلورة الاساليب الاكثر تقدما على صعيد التقنيات والمعالجات المعاصرة .







المصادر


1. توماس مونرو ( التطور في الفنون ) ترجمة : لجنة من الأساتذة الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر . 1971 \ ج1 ص426 .

2. محمد محمد محمود (( الأتجاهات الفنية الحديثة وأثرها في تحديث المفهوم الخزفي لدى طلاب كلية التربية الفنية جامعة حلوان – رسالة دكتوراه – 1999ص13 .
3. كمال الملاح – رشيد أسكندر ( 50 سنة من الفن ) دار المعارف بمصر \ 1962 ص 150 وما بعدها .

4. نوماس مونرو – مصدر سابق ص406 وما بعدها .

5. محمد محمد محمود \ مصدر سابق \ ص115 .

6. ساحر الأواني \ الفنان سعيد الصدر \ مختار العطار \ 1979 \ القاهرة \ مطابع روز اليوسف ص27 .

7. فن الخزف / أ. د عبد الغني الشال / جامعة حلوان – 1988 ص 27

8. . سعيد الصدر / مصدر سابق – ص 29

9. مركز انشاء مصنع الودي بمنطقة الجيزة / اظر : الصدر – مصدر سابق ص 30

10. سعيد الصدر / مصدر سابق ص 30

11. د. عبد الغني الشال / مصدر سابق ص 28

12. اختارت الشعراوي مكانا لمصنعها في منطقة ( روظ الفرج ) على النيل بجوار المسارج التي كان يغص بها الشاطيء .. وايضا بجوار مصنع ( ما را نجاكس ) اليوناني _ انظر عبد الغني الشال – مصدر سابق ص 29 وكذلك سعيد حامد – ساحر الاواني ص 45

13. ساحر الاواني / الفنان سعيد الصدر – مختار العطار ص 32 د. ت

14. احد الرسامين الذين ارسلتهم السيدة الشعراوي على نفقتها الخاصة الى ( سيفر ) في فرنسا . انظر د. عبد الغني الشال – مصدر سابق ص 31
 وتوقف هذا الفنان عن العمل سنة 1930 بعد ان دار حديث عن استغلال العاملين في المصنع للخامات والاجهزة لأنتاج وتسويق السلع الخاصة بهم ، فدب الخلاف ورفض الاستمرار في العمل – انظر : الصدر ساحر الاواني ص 35 مصدر سابق

15. سعيد الصدر – مصدر سابق ص 52

16. من هولاء الرواد : المثال محمود مختار والمصور احمد صبري ، وكذلك الفنان راغب عياد واحمد يوسف . انظر : دليل بينالي بيروت ص 22. ودليل معرض بينالي بيروت للفنون التشكيلية ، المعرض الفني التشكيلي الحديث – قصر الاونيسكو – بيروت 1999 ص 4

17. الصدر – مصدر سابق ص 82

18. الصدر – مصدر سابق ص 52

19. فن الفخار / د. عبد الغني النبوي الشال – مصدر سابق ص 32

20. عبد الغني النبوي الشال – مصدر سابق ص 80

21. مقابلة مع د. باسم فاضل ( مهرجان بينالي بغداد – فندق ميردان 2002

22. متحف نبيل درويش / موقع على الانترنيت .

24 – اعير هذا الفنان منذ عام 1973 – 1976 للعمل في الكويت كمدرس لمادة التربية الفنية – مقابلة مع زوجة الفنان في متحف نبيل درويش 2003

25 . جريدة عن د. نبيل درويش

26 . دليل المقتنيات الفنية للبنك العربي – مطابع الاهرام – مصر – اول مارس 2000 ص 60

27. الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي / شوكت الربيعي / دار الشؤون الثقافية – بغداد 1986 ص 28 - 29

28 . محمد محمد محمود / مصدر سابق ص 104

29 . المصدر نفسه 106

30. المصدر نفسه ص 107


http://www.babil-nl.org/ga51x031.htm

_________--------________--------__________----------_________

فن الخزف في العراق

اقترنت بواكير التجارب الفنية التشكيلية الحديثة في العراق ، بنهاية القرن التاسع عشر . فبعد أن بدأت الدولة العثمانية بالتداعي ، وبزوغ هيمنات جديدة متمثلة ببريطانيا العظمى ، كانت التجارب الفنية الأولى تؤسس ملامح مناخات فنية تواكب التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية . فقد ظلت بغداد منطوية على ارثها المتنوع من البناء الروحي التحتاني ، وذلك على الرغم من تدهور أوضاعها الظاهرة .. ( 1 ) ، فكان الفضل في هذه البدايات ، وهي تجارب تقليدية ، كما يقول الفنان والكاتب نزار سليم ، الى عدد من الرسامين الهواة ، اشهرهم عبد القادر الرسام الذي كان ضابطا في الجيش العثماني وزملاؤه الحاج محمد سليم ، ومحمد صالح زكي ، وعاصم حافظ ، ممن تعارف على تسميتهم بالأوائل . وقد أثار هؤلاء اهتمام الشباب في الرسم وتم إرسال ذوي المواهب منهم الى أوربا لدراسة الفن ، وأخذت سمات بداية الحركة الفنية الجديدة تتبين عند افتتاح فرع الرسم في معهد الفنون الجميلة عام 1939 وتأسيس فرع النحت بعد فترة وجيزة . ( 2 ) ولكن كيف تحقق ذلك كله ؟ يكتب الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا : (( في عام 1931 ، وبعده ، أرسل بعض ذوي المواهب الى أوربا ( كأكرم شكري وفائق حسن ) لدراسة الفن . وجعلت سمات الحركة الفنية الجديدة تتبين عندما افتتح معهد الفنون الجميلة .. وأسست جمعية أصدقاء الفن عام 1941 ، فضمت عددا من الرسامين والهواة يسرت لهم عرض انتاجاتهم . وأرسلت بعثات فنية أخرى متزايدة . .. )) (3 ) وظهرت الجماعات الفنية : جماعة الرواد ملتفة حول فائق حسن عام 1950 / وجماعة بغداد للفن الحديث عام 1951 ملتفة حول جواد سليم عام 1951 / وجماعة الانطباعيين ـ التي أرادت فنا مستقى من الطبيعة والهواء الطلق ـ ملتفة حول حافظ الدر وبي عام 1952 ، وكان الدر وبي قد افتتح مرسما حرا عام 1942 ، وكان من المقرر له أن يكون نواة لمشغل فني كبير إلا أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح بسبب تكوين العلاقات الاجتماعية وطبيعتها اليومية فالمرسم الحر يلزم الفنان بالعمل داخله في جو أكثر صرامة وضغطا على حريته في حين كان ميل الفنانين وقتذاك نحو الخروج الى ضواحي المدن في الحقول والأرياف والمرتفعات والجبال .. ( 4 ) . وظهرت جمعية الفنانين العراقيين عام 1956 .
وفي الستينات ، الى جانب معهد الفنون الجميلة ، تأسست أكاديمية الفنون الجميلة لكي تلحق بجامعة بغداد ، وتضاعف عدد الموفدين الى الخارج لدراسة الرسم والنحت والخزف بعد ذلك .
بيد أن هذه التجارب في الرسم والنحت مهدت لظهور تجارب في فن الخزف ، بعد أن كان مفهوم الفن الحديث قد تبلور بصورة تقريبية .. فيرى الأستاذ شاكر حسن آل سعيد أن معنى ( فن حديث ) لا ينفصل عن الرؤية المعتمدة على مبدأ محاكاة العالم الخارجي في الرسم ، وهو ما يطابق المفهوم الأوربي في الرسم ، أي الأسلوب الذي ظهر منذ بداية عصر النهضة الأوربية واستمر بالتطور قرابة خمسمائة عام ثم اخذ بالتحول نحو الأساليب الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر ، ولكنه من ناحية ثانية ارتبط بالرؤية الجديدة في الفن الأوربي والتي أخذت تتجاوز مبدأ مطابقة الطبيعة لتعبر عن واقع الفنان العالمي في عصر العلم والتكنولوجيا .
إن المشهد التشكيلي العراقي ، خلال القرن الماضي ، لا يختلف كثيرا عن المشهد التشكيلي العربي في مصر أو سورية أو المغرب العربي ، في بلورة ملامحه البنيوية والأسلوبية .. فالتحديث ( والحداثة بعد ذلك ) في الفن العراقي ارتبط بحالتين : الأولى : محاكاة الفن الأوربي على العموم . والثانية : محاولة اكتشاف عناصر التجديد والمعاصرة واستلهام التراث الحضاري المحلي والعربي ، وصولا الى ما يمكن تسميته بالمدرسة العربية المعاصرة في الفن . ( 5 ) وهذه الإشكالية ، في عصر التحولات ، ستدفع بالمغامرة الإبداعية نحو التجريب ، بدل الاستقرار ، ونحو الرؤية الفلسفية لجماليات تواكب طبيعة العالم وتقلصه الى مساحات مرئية ، على صعيد الماضي أو بفعل المخيال نحو المستقبل ،بدل التوقف عند الثوابت أو التكرار .. فحرية البحث الفني ، في التشكيل العراقي المعاصر ، لم تتقاطع مع البيئة ، والموروث الشعبي ، والحياة اليومية بتنوعها الاجتماعي وغليانها السياسي ، وفي الوقت نفسه ، كانت العلاقات مع الإبداع الإنساني ، دافعا عميقا للحوار الحضاري ، بدلالاته الدينامية والتاملية والانطلوجية . ولعل جذور الفكر الديمقراطي ، في ماضيها السومري ، لم تتبلور ، كما تبلورت في خمسينيات القرن الماضي ، وأثمرت ، صياغات تشكيلية مازالت حجر الأساس في معمار الحركة التشكيلية عامة ..( 6 ) وهو الذي سينعكس في دوافع عمل الخزاف العراقي في تجاربه الحديثة .
ولعل دراسة الدكتور بهنام أبو الصوف الرائدة في الخزف العراقي القديم ، تكون قد تزامنت ، مع البدايات العملية لهذا الفن . فيقول أبو الصوف انه اختار مادة الفخار موضوعا لدراسته ، لأن الفخار في حضارات ما قبل التاريخ ( حضارة ما قبل التدوين ) تعتبر مادة أساسية وحيوية لتقدير عمر الموقع الاثاري ، أو البناء الاثاري ، أو ربما العصر بأكمله .. ان دراسة الأستاذ بهنام أبو الصوف ( فخار عصر الوركاء ) تعد المدخل النظري للتطبيقات العملية ولدراسات النظرية التالية . فقد أراد التأكيد على أصالة هذا النوع من الفخار العراقي ؛ ونشوئه وتطوره محليا في أعماق تربة وادي الرافدين شمالا ووسطا وجنوبا .. فمن هذا الموقع انتشر شرقا نحو مواقع إيران ، وشمالا الى سورية ، واسيا الصغرى ، وغربا دخل بعض مواقع مصر عن طريق فلسطين وسيناء ، أو عن طريق الخليج العربي والبحر الأحمر . ( 7 )
ورسالة الدكتور بهنام أبو الصوف توضح أن فخاريات عصر الوركاء بكل أنواعها ( الحمراء / الرمادية / السوداء / والخالية من الأصباغ أي غير المزوقة والأخرى البدائية ) كلها أنواع لصناعة واحدة عرفت أصولها في أواخر عصر ( العبيد ) السابق ، كما ان بعضها قد عرفته تقاليد صناعات الفخار العريقة في العراق منذ الإلف السادس ، كما هو معروف من مواقع ( حسونة ) و ( نينوى ) و ( تل الصوان ) وان هذه الأنواع عملت محليا من طينة محلية وأحرقت بكور فخار في مواقع معينة من مناطق العراق القديم المشهورة بهذا الفخار .. وان ما وجد من هذه الأنواع من فخاريات عصر الوركاء في الأقطار المجاورة ، شرقا وشمالا وغربا ، تظهر فيها تقاليد صناعة فخار الوركاء العراقي ، فهي مقلدة لتلك ومحاكية لها ، بالشكل والنوع والصنعة . ثم ظهر لنا أن صناعة الفخار المتعدد الألوان ، والذي أتى في نهاية عصر الوركاء في وسط وجنوبي العراق ، والذي يعرف بفخار ( جمدة نصر ) هو امتداد لصناعة فخاريات عصر الوركاء وتقاليدها .. وان عودة التلوين المتعدد في هذا النوع من الفخار هو تقنية عراقية معروفة سابقا ، وكان اختفاؤها خلال عصر الوركاء بسب طغيان استخدام دولاب الخزاف السريع لإنتاج الفخار بشكل موسع ولأغراض الطبخ والخزن ، وكذلك بسب دخول عنصر جديد في حياة هذا العصر هو استخدام ( النحاس ) بالذات لإنتاج أوان وقوارير دقيقة الصنع وغالية الثمن لإغراض الزينة ، ولحاجات المعابد . ( 8 )
إن هذا الموروث ، الى جانب الحداثات ، والتقاليد الحرفية الشعبية ، شكلت منحى تجريبيا في الأعمال الخزفية الجديدة . ولكن ثمة نزعتان تتداخلان في بلورة الشكل الخزفي ، في ماضيه القديم ، وفي التجديدات التي حصلت منذ أواسط القرن العشرين ..(9 ) فعلى الرغم من الفارق الزمني بين العصور الحضارية الأولى ؛ تلك التي كان الفن فيها لا ينفصل عن المعتقدات ومجمل التاريخ الاجتماعي ، والعصر الحديث الذي حاول فيه الفنان تقمص أقنعة الماضي ، دفعت بالفنان الى ابتكار معالجات لا تنفصل عن التنوع والاختلاف والأنظمة الفنية والأبعاد الجمالية لغايات الفنون الحديثة : إن قراءة الحاضر تتطلب مهارة في تمثل القيم الأولى : حساسية تجاه عوامل الإبداع ( 10 ) فيرى ( ميشال ديرميه ) إن العمل الفني له زمانه وله طريقته كي يكون في زماننا ( 11 ) فالحاضر هو امتداد غير منظور لكثافة الحساسية ، والبدائية الكامنة في الأعماق . الأمر الذي جعل التحديث يتخذ أسسا موضوعية ، وما التجديد أو الابتكار ، إلا نزعة متمردة تخص الرؤية والتقنيات معا ، في فضاء المغامرة الإبداعية . ( 12 )
ويذكر ( أندريه بارو ) الحقائق التالية (( ... وبتطور فن التزجيج في العصر الآشوري تم اغناء هذه النحوت المقولبة بتعدد الألوان الذي استعمل أيضا للتفريق بين مختلف مراحل الزقورة . في خرسباد ( العصر الآشوري ) وبورسيبا وأور ( العصر البابلي الحديث ) وبابل ( العصر البابلي الحديث ) وهي المدينة الوحيدة التي زينت فيها واجهات المعبد الأعلى بآجر مزجج باللون الأزرق . وبالإضافة الى الآجر المقولب المستعمل في النحوت الناتئة ( مزججا كان أم غير مزجج ) تم استعمال طراز آخر من الزخرفة يتألف بكل بساطة من اجر مزجج متعدد الألوان صورها خالية من النتؤ . ولقد عثر على نماذج جميلة جدا لهذه الصيغة الفنية في جملة من المواقع : في نمرود ( موكب ملكي وشجرة مروحية ، وفي أشور ( الإله أشور في هالة وهو يسحب سهمه ) ، وعربة وخيولها ، وفرقة عمل ، ووعول على كل من جوانب الشجرة المقدسة ، وكاهن أمام مذبح للنار ، ومتعبد أمام الإله شمس . وفي خرسباد( الجن المجنحة ، وسطل الماء المقدس ، على البوابات ، ومواكب في المعابد ) . وكانت هذه المزججات المتعددة الألوان تطبق على الزينات الفخارية ليس في بلاد أشور حسب ، بل وفي بلاد بابل وعيلام أيضا )) ( 13 ) فقد كان فن الخزف احد مظاهر الحياة اليومية على صعيد المعتقد والحياة الاجتماعية . وعلى صعيد التقنيات أيضا ، فيذكر بارلو مثلا (( كان الطين الذي يستعمله الفخار يتم تحضيره بعجنه في الماء وبإضافة مادة مقوية إليه . أو قاصرة للونه من أمثال الرمل أو مسحوق الكلس والقش المثروم أو مسحوق الكسر الفخارية التي تقلل من مرونة الطين وتجعله أيسر استعمالا )) وهكذا سيتميز الخزف الرافديني بمصطلحات غاية في الدقة لم تتبلور إلا بعد أن تكاملت رؤية الخزاف وفلسفته العامة .
إن الإشارة لهذا الموروث ستفسر علاقة الخزاف المعاصر بجذوره . كما تؤكد ان التطور الذي حققه الخزاف العراقي يرتبط بالإرث والمرجعيات بما تتمتع به من أنظمة وتقاليد حرفية راسخة ولم تغادر الذاكرة ا, الخزين الداخلي . فعلى الرغم من التحولات الاجتماعية والمغيرات الأخرى ،إلا أن اثر المادة الفنية والبيئة والرؤية الإبداعية كلها ستدخل في سياق بلورة الشخصية الفنية الحديثة . فالمكتشفات الآثارية أعادت لنا التسلسل الزمني لحضارات وادي الرافدين ، وعمقت مفهوم النمو غير المباشر للأسلوب .
وعندما نتوقف عند بدايات الخزف الحديث في العراق ، لابد أن نتذكر فترة الازدهار في العصر العباسي ، وتراجع صناعة هذا الفن في العراق لعوامل عدة منها تدمير المراكز الثقافية العراقية وسيادة موجات من الغزاة أدت الى الدمار الشامل ومنه الثقافي والفني .
وهنا يذكر الفنان جواد الزبيدي (( والى ما قبل أعوام قلائل لم يكن ما يطلق عليه تشكيليا اسم الخزف الفني عدا وجود معامل الفخار الشعبي البسيط والذي استمر يكرر نفسه في مشربيات وجرار وأواني الاستعمال وتبريد الماء ، وكذلك معامل الخزف القاشاني في المدن المقدسة مثل كربلاء والكاظمة )) ( 15 )
وبتأسيس معهد الفنون الجميلة ، وظهور عدد من الأساتذة ، تحتم ان يتأسس فرع للخزف . فكان عام 1954 البداية الفعلية في هذا المجال .. (( فقد طلب من الخزاف البريطاني ـ أيان أولد ـ تأسيس فرع لدراسة الخزف في المعهد . وفي العام 1955 تم فتح أول شعبة للدراسة في الفرع الجديد . وهكذا حمل الفرن الناري البسيط في حديقة المعهد كل وعود المستقبل )) وفي احتفال بسيط حضره الفنان جواد سليم وزيد محمد صالح وفائق حسن وغيرهم خرجت أول خزفية من الفرن المذكور (16 )
وخلال عام 1957 ، انتدب لإدارة فرع السيراميك في المعهد خزاف شاب تخرج حديثا في المدرسة المركزية للفنون والتصميم في لندن .. وهو الخزاف القبرصي المولد ( فالنتينوس كارالامبوس) وبقي فيه حتى عام 1968 ، حيث انتقل الى أكاديمية الفنون الجميلة ، وبقي الخزف في معهد الفنون برعاية أساتذة آخرين ممن تخرجوا أصلا فيه أو في الأكاديمية بعد ذلك ( 17 )
وستكون تأثيرات فالنتينوس واضحة في أساليب الخزف الجديد .. فكان الشكل الخزفي ( الفورم ) ـ كما يذكر الزبيدي ـ والدقة في المحافظة على التناسق الدقيق في النسب بين الفوهة والرقبة والجسم والقاعدة واختيار النقشات .. كل ذلك من تأثيرات فالنتينوس في البداية .
على ان الجذور الحقيقية لحضارة وادي الرافدين والحضارة العربية الإسلامية فرضت شخصيتها بعد مرحلة البداية بقليل ، وعلى فالنتينوس نفسه . يقول جواد الزبيدي (( وهكذا ما ان مر بعض الوقت حتى بدا هذا الماضي الحضاري للوطن العربي ولوادي الرافدين يفرض نفسه على أي تفكير وأعمال خزافينا السباب ، ومنهم فالنتينوس نفسه ، وبدأت محاولات استلهام الأعمال الرافدينية والإسلامية من ألوان وزخرفة وفكر : اللون الشذري / تكرار الوحدة الزخرفية /التوريقات النباتية / القوس الإسلامي / الخط العربي ، مثلا ، تظهر متفرقة في بعض الأعمال الخزفية .
ان الباحث يتساءل : هل كان الخزاف العراقي واعيا لعمله ولمرحلته ..؟ يقول الزبيدي (( ان وضع زخرفة إسلامية أو تاريخية على السطح الخارجي للشكل لا يعني إعطاء الطابع العربي أو الإسلامي ذي الاصالة )) كما يتطرق الى تأثيرات فن الخزاف البريطاني في المراحل الأولى فيذكر ان فالنتينوس عمل مع ( برناردليش ) وسعد شاكر مع ( روث دكورث ) إضافة الى دراستهما في لندن .
على ان مرجعيات وأبعاد شخصية الخزاف العراقي كانت تواجه هذه الإشكاليات بمزيد من التأمل والصبر . فقد كان البحث في الموروث يوازي ضرورة استيعاب وتمثل التجارب المعاصرة . كما ان الانتقال بالفخار من مراحله التقليدية السائدة ، ومن وظائفه الاستهلاكية ، الى الأبعاد الفنية والجمالية ، تطلب فترة زمنية غير قصيرة .
والى جانب معهد الفنون الجميلة تأسس دار التراث الشعبي عام 1970 باسم ( مركز التدريب الحرفي ) ليؤكد أهمية نقل خبرات ( الاسطوات ) الى الجيل الجديد . وكان لقسم الخزف والفخار دوره في استقطاب الأساتذة وفي تدريب الطلاب . والى جانب دور هذا المركز في الحفاظ على التقاليد الشعبية والمحلية ، فان اثر الموروث الشعبي كان واضحا في رسم معالم الخزف المعاصر في العراق ، فاستلهم الخزاف ( الفورم ) الموضوعات الشعبية والأسطورية والرمزية ، كما كانت لهذا التأثير ملامحه في بلورة الهوية الفنية . يظهر هذا في تجارب سعد شاكر نفسه ، وفي تجارب عبلة العزاوي ونهى الراضي وسهام السعودي وساجدة المشايخي .. الخ
وفي سياق تبلور تقاليد فنية تتوازن والفنون الاخري كالرسم والنحت استطاع أساتذة مثل سعد شاكر وشنيار عبد الله وماهر السامرائي وطارق إبراهيم ومحمد عريبي وتركي حسين .. الخ ان يذكروننا بالتقاليد الفنية الرصينة لعمل الخزاف في محترفه .. ومثل هذه التقاليد ستشكل الأساس غير المباشر ، والمباشر ، لازدهار حركة خزفية لا تقل أهمية عن الرسم والنحت .
في كتاب (( صناعة الخزف )) لجون ديكرسون نطالع الفقرة التالية (( ان صناعة الفخار فعالية فريدة في سحرها ، فهي توسع الخبرة على نحو لا نظير له بين الفنون الأخرى كلها . فالابتهاج الناجم عن جمال حركة التشكيل على دولاب الخزاف وفرصة الجمع بين فني النحت والرسم وإمكانية اكتشاف موضوعات كاملة في ما يحتاجه الرسام من وقت لتحضير قطعة القماش التي يرسم عليها ، هي من ابرز مفاتن الفخار ، إلا ان الفخار ينطوي على ما هو أكثر من هذا السحر .. فهو يوفر مصدرا غنيا ً للاكتشاف والتطور الذاتيين ، حتى للهاوي الذي لا يمارس العمل بانتظام . بينما يكون عمق نفاذ البصيرة هو مكافأة الفنان الأكثر أخلاصا في انغماسه . انه فن فريد لأنه يجمعنا في علاقة حميمية مع الطبيعة ـ فعلينا ان نقيم صلة وئام مع قواها الأساسية : الأرض والماء والهواء والنار . يعود الفخار بالإنسان الى الطبيعة ليكتشف قوانينها الأساسية وليجرب قواعد وتناغمات العملية الطبيعية التي يتوجب علينا في مواجهتها مراجعة عملياتنا الفكرية ومواقعنا وأذواقنا ، وان نختبر تكامل شخصياتنا ونعيد تقويم قيمنا باستمرار )) (18 )
مثل هذا التشخيص العام يلقي الضؤ على أدق التفاصيل الإبداعية عند الخزاف . وقد أدرك الخزاف العراقي ، منذ تأسيس قسم خاص للخزف ، وبعد انتشار مراكز الخزف والمشاغل والمحترفات ، ان هناك قيما أبداعية تكمن في هذا الفن القديم / الحديث . فقد أثر سعد شاكر في مسار الخزف العراقي باتجاه التقنيات المتقدمة ، بينما كان دور إسماعيل فتاح يكمن في مجال النحت الفخاري ، الذي قام بتدريسه في أكاديمية الفنون الجميلة . والى جانب القواعد والأسس في فن الخزف ، تداخل هذا الفن بالنحت على نحو خاص .. وهو جزء من إعطاء الخزف بعده التعبيري والجمالي .
وسنتوقف عند عدد من التجارب الرائدة ، وفي مقدمتها تجربة الأستاذ سعد شاكر .فبعد تجاوز الفنان للشكل الخزفي الاعتيادي ذي القيمة الاستهلاكية ، اخذ يركز على القيم الجمالية في أعماله ، وقد كتب الناقد الإنكليزي ( دان ابايد ) ، في دليل معرض الفنان عام 1964 : - (( ان خزفياته وفخارياته تكشف عن تحفظ واع من جانبه في تعامله مع المادة التي يستعملها ، وتكشف أيضا عن هيمنة على فنون صناعته وثقته ومعالجته غير المعقدة للمشاكل الجمالية الخاصة بفن الفخار )) ويضيف (( هذه الهيمنة المخلصة ، على ما يعمله وما يريد تنفيذه ، درس رائع في الإخلاص ، فالفنان الحقيقي يعبر دائما عما يجول بذهنه ، حتى لو أدى به الأمر الى ان يطيح بشتى الآراء الذائعة وهو بهذا يعطي للآخرين درسا ً في الحقيقة )) ( 19 ) وقد كتب الناقد محمد الجزائري بهذا الصدد (( إذا كانت رحلة التجربة الخزفية لدى سعد شاكر قد عمقت لديه الإفادة من الشكل وتحرير المضمون من قيمته الانتفاعية الضيقة والخروج به الى قيمة تعبيرية تستثمر عناصر الطبيعة والنبات .. فانه جذّر علاقته بالإنسان وقضاياه الظرفية الملتهبة ضمن وعي فن القضية وذلك بالانتفاع من السيراميك وتحويل قيمه المضمونية ، تعبيريا ً، الى مدلولات سياسية ظرفية .. ففي فترة ما كان الفنان سعد شاكر يجد في الأصداف والنباتات البحرية والقواقع المتحجرة مصدرا ً ثريا للإلهام .. ثم وهو يعمل بالصلصال بعيدا عن العجلة يبدع ويرتفع الى تحقيقات تشكيلية ذات صفات نصبية رائعة )) (20 )
وقد قال فالنتينوس (( أشكال سعد شاكر مجردات مستقاة من المحار أو الصبير أو الجسم الإنساني ، إنها في معظم الحالات تأليف من هذه العناصر المتباينة ، المتضادة أحيانا ً ، يجمعها معا ليخلق منها وحدة عضوية ، فسعد شاكر يتمتع بذكاء وغريزة ودقة في الإنجاز ، الأمر الذي جعل مغامراته محسوبة ومقنعة .. وانه استطاع ان يضع لطلابه أساسات الإتقان والمثابرة والإخلاص لمكانة الخزف الكبيرة بين الفنون الأخرى )) ( 21 )
بينما نرى الخزافة عبلة العزاوي ، التي درست فن الخزف في بغداد وباريس ، لا تكف عن ابتكار أشكالها ، على الرغم من أسلوبها المتكرر. وقد قالت (( بدأت بإنجاز أعمالي الفنية حال رجوعي من فرنسا ، وهي تميل الى الحداثة .. واستمرت هذه التجربة لدي ّ بدافع التأثيرات والأفكار التي شغلتني لسنين .. لكن زياراتي الكثيرة الى المتحف العراقي أثرت بي وجذبتني نحو الفن القديم الذي كنت قد بدأت أعمالي الأولى به .. أي قبل ذهابي الى فرنسا .. وقد لاقت تلك الأعمال إعجاب أساتذتي .. لكنني للأسف تركتها متأثرة بالقطع التي وجدتها هناك .. وقد كانت جديدة عليّ وغريبة فتعلقت بها بالرغم من إلحاح أساتذتي بضرورة التمسك بتراثي العراقي القديم . وبعد الأعمال والتجارب العفوية والبدائية بدأت بالتراث وبدأت ابحث في الشوارع القديمة والأسواق الشعبية والقرى عن التراث لتأمله ودراسته ، ثم انتقلت الى الإسلاميات .. وكانت نقلة مفاجئة منذ العام 1400 للهجرة .. والآن اجمع في أعمالي بين كل الأدوار. إلا ان تأثيرات الفن الإسلامي هي الكبرى والأكثر تميزا من الأدوار الأخرى )) ( 22 )
وسنجد عند طارق إبراهيم رغبة بالعودة الى المدن والقرى القديمة .. فهو يستلهم المعابد والبيوت الطينية والآثار ويعيد صياغتها كرموز دينامية في سياق مفهومه للحداثة . انه يجمع بين القديم في سحره والحداثة في تنويعاتها المعاصرة .. ولكنه في الغالب يختزل أعماله الى ضربات مكثفة للمعاني بعيدا عن بهرجة الألوان وتعقيدات الأشكال . كما لم يهمل الخزاف المعالجات الأكثر صلة بخطاب التجارب الحديثة ، لمفهوم الخزف في خصائصه البنيوية بعيدا عن الوظائف التقليدية الاستهلاكية .
وكانت الخزافة الراحلة سهام السعودي مولعة بأسرار خامة الطين ، الأمر الذي جعل تجاربها تنتمي بصورة متواصلة بالمدن الإسلامية والأشكال المستلهمة من أعماق التاريخ . فأعمالها لا تكف تروي الحكايات المنقوشة فوق أعمالها الجدارية متأثرة بالمعمار الديني وبالأشكال الحروفية والأساطير الشعبية ، مع إنها في تجاربها ، قبل الرحيل ، راحت تختزل الألوان وتمارس الحذف والاختزال محاولة لمنح الخزف لغة جمالية تعتمد التكوين والتكنيك والإيحاءات الخاصة التي لم تغادر عالمها المشحون بالأسرار وما يحمله الخزف من لغة دينامية لا تكف ان تجدد عبر الزمن .
وتمتاز خزفيات شنيار عبد الله بأسلوب ( الراكو ) .. فمنذ 1980 عمل بهذه الطريقة اليابانية القديمة .. وهي تعتمد على الحرق المباشر للقطع الخزفية مع اختزال الأوكسجين داخل الفرن ، ومن خصائصها ؛ الألوان الجميلة البراقة . إن شنيار عبد الله خزاف لم يكف عن استثمار خبراته المعرفية بالموروث الى جانب دراسته العملية للتقنيات الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية ، بحثا ً عن توازنات بين أصالة الأشكال القديمة ودلالات التحديث في عصر تتحطم فيه التقاليد والثوابت .. فجعل من الرموز الشرقية والبيئة والحروف والتكوينات النحتية الجدارية مفردات متداخلة بمعالجات منحت الخزف مغزاه الدلالي والجمالي كبعد له علاقته بالتحولات المعرفية والاجتماعية . فكانت نصوصه الخزفية أكثر اختزالا ً في استنطاق أسرار خاماته وموضوعا ته المعالجة بالتجريد والحذف والإضافات ذات الصلة الفنون المجاورة كالرسم والنحت .. وقد كتب الناقد التونسي خليل قويعة (( إن أعمال شنيار عبد الله قابلة لن نقبلها من حيث كيانها التشكيلي الخالص ونتدبرها بعيدا عن الشحنات الرمزية التي تحتملها القراءة ، فيما يفترضها الأثر لا محالة ، فتمكنه من العجينة الخام وخبرته بالطلاء والاكاسيد واستشرافه لتحولات اللون في الفرن وانفتاحه على الأفاق المتوقعة واللامتوقعة التي تهديها له الصدفة ، الموجهة وغبر الموجهة ، لهي ظواهر جعلت من معاشرته للخزف لعبا مثمرا وذلك بقدر ما يشترطه هذا اللعب )) ( 23 )
فيما تتخذ الأشكال الخزفية ـ النحتية عند الخزاف ماهر السامرائي ، سياق الأسطورة المعاصرة : فعلى الرغم من انه بدا من الرقم الطينية المعروفة بعمقها الزمني ، إلا انه سيفصح عن انتماء لعصرنا .. فقد مزج بين الموروثات القديمة وأثارها ودلالاتها الرمزية ، مع امكانات عمل المخيال في مواجهة إشكاليات الحداثة وتنويعاتها الأسلوبية . إن منطق عمله التركيبي ، والمراحل التي مر بها ، عمقت رؤيته في منح فن الخزف لغة تجاور المشكلات الفلسفية لفنون الرسم والمعمار والنحت . فالخزاف السامرائي بتأثره النفسي بعمل المخفيات والدوافع الروحية ــ الصوفية تحديدا ً ، جعلت من معالجاته الحديثة تحديا للمعاني الاستهلاكية والنفعية ، بحثا عن الشفافية والصفاء والتطهر الذي يتمثله الفن عامة وفن الخزف بشكل خاص .
بينما أنجزت الخزافة ساجدة المشايخي علاقة مزدوجة بين الرسم والخزف من جهة وعلاقة جدلية بين النافع والجمالي من جهة ثانية .. فأنجزت مجموعات من الأعمال التقليدية على صعيد الأشكال ، الى جوار أبحاثها عن إعادة صياغة الأشكال الشعبية والتراثية بأسلوب المقاربة من التحديثات الحاصلة في الخزف العراقي .
وثمة خزاف آخر واصل إرساء القواعد الرصينة للخزف ، هو د . محمد عريبي ، مستثمرا خبرته الطويلة في اكتشاف علاقات تجاور بين الخزف والرسم ، وبين الخزف والنحت ، حيث استثمر التجريد الهندسي والأشكال الحديثة للمجسمات والعلاقات التركيبية والرمزية في سياق بناء تجاربه الخزفية وما تمثله كنصوص تمتلك خصائصها الخزفية الجديدة .
والخزاف تركي حسين ، ضمن جيل ظهر بعد مرحلة الريادة المتمثلة بالرائد سعد شاكر ، يعمل وفق سياق التجريب ، فالخزاف أدرك الصعوبات التي تواجهه الخزف الحديث وما يمثله قياسا بالمشكلات الفنية ومغامرات البحث عن توازنات بين القديم الأصيل ومغامرات التحديث .. وهو الذي جعله يدرك بعمق إن الاستقرار على أسلوب محدد قد يعني موت الخزف ، من ناحية ، وأدرك ، ان هذا الاستقرار قد يتطلب بدائية من نوع خاص ، من ناحية ثانية . وهو الذي جعله يعبر بحرية تجريبية تتوخى الصدق الخاص في مرحلة كاملة في التشكيل المعاصر في العراق .
عبر هذا المسار التاريخي الوجيز ، تشكلت ملامح الخزف الحديث في العراق ، بالاستناد الى محفزات التحديث العامة في التشكيل كالرسم والنحت ، وصولا الى الحداثة وما تمثله من إشكاليات على صعيد المعاني أو على صعيد التقنيات ، فضلا عن استعادة ودراسة المرجعيات المتمثلة بالتراث الخزفي العراقي القديم ودراسة الموروث الإسلامي ، والشعبي بما يمتلكه من إيحاءات ورموز لا يمكن فصلها عن الابتكارات والمعالجات المعاصرة ، الى جانب المؤثرات المعرفية كالجانب الثقافي والواقع الاجتماعي والسياسي ، وتأمل البيئة وخصائصها البنيوية ..الخ كلها تضافرت عبر مراحل خضعت للتجريب والمغامرات بحثا عن مسار وأساليب لا يتكرر فيها الماضي بما يمتلك من قواعد وتقاليد وأنظمة صاغتها عوامله الفلسفية والاجتماعية والفنية الحرفية ، ولا تكون الحداثة محض أقنعة واستنساخات لأنظمة لها ضوابطها الحضارية ،بل العمل على أن يمتلك فن الخزف خطابه بما يتضمنه من عناصر بنائية وتركيبية ومستويات تقنية تتوازن والأبعاد الجمالية والتعبيرية لرسالة الفن عامة ولفن الخزف في سياق ابتكار أساليب لا تغادر روح العصر وعلاماته الدلالية . وقد عبر الأستاذ سعد شاكر عن هذا المسار بقوله : - (( اتخذت حركة السيراميك خطا بيانيا في التقدم والتطور خلال فترة قصيرة من الزمن .. وغذت هذه الحركة قابليات شابة وطموحة متميزة استطاعت أن تغنيها بحيوية وتحفز .. فخرج الخزف من حرفية الموضوع الى حقول الفنون التشكيلية المثابرة .. ومنحت هذه الطاقات الشابة للخزف الدفيء والحرارة البشرية المتمازجة مع روح العصر لتتحد معا ً باحثة في الشكل والمضمون الجديدين ))( 24 )






المصادر

1 - شاكر حسن آل سعيد ( فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق ) الجزء الأول / دائرة الشؤون الثقافية والنشر/ بغداد 1983 –ص 9
2 – نزار سليم ( الفن العراقي المعاصر) الكتاب الأول ـ فن التصوير / وزارة الأعلام ـ الجمهورية ٍ العراقية / 1977 ص 7
3- جبرا إبراهيم جبرا ( الفن العراقي المعاصر ) وزارة الأعلام ـ بغداد 1972 المقدمة

4 – شوكت الربيعي ( لوحات وأفكار ) الجمهورية العراقية ـ بغداد 1976 ص 29

5- شاكر حسن / مصدر سابق ص 9

6 – عادل كامل ( الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ــ مرحلة الرواد ) وزارة الثقافة والإعلام / 1980 ص7 وما بعدها

7 – مقابلة مع الدكتور بهنام أبو الصوف ـ 2004

8- د . بهنام أبو الصوف ( فخار عصر الوركاء ) رسالة دكتوراه قدمت الى جامعة كمبردج في خريف عام 1966 ـ المؤسسة العامة للآثار والتراث . وقد صدرت باللغة الإنكليزية .

9 - يذكر ان الفنان زيد محمد صالح هو أول من راجع وسعى الى قيام فرع للخزف في معهد الفنون الجميلة / جواد الزبيدي / مجلة أسفار العدد 3 عام 1988

10 – (( الفن والحس )) ميشال ديرميه / ترجمة وجيه البعيني / دار الحداثة ـ بيروت ـ لبنان 1988 الفصل الثامن ( الفن والزمان )

11 – المصدر نفسه ص 159 وما بعدها

12 – عادل كامل ( التشكيل العراقي ـ التأسيس والتنوع ) دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد 2000 الفصل السادس ـالخزف العراقي المعاصر

13 – (( بلاد أشور )) أندريه بارو / ترجمة وتعليق د . عيسى سلمان وسليم طه التكريتي . دار الرشيد للنشر . بغداد 1980 ص 242

14 – المصدر نفسه ص 252

15 – (( بداية الخزف العراقي المعاصر )) جواد الزبيدي / مجلة أسفار العدد 3

16 – جواد الزبيدي (( الخزف الفني المعاصر في العراق )) الموسوعة الصغيرة ( 227 ) دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1986 ص 23

17 – المصدر نفسه ص 24

18 – (( صناعة الخزف )) جون يكرسن / ترجمة هاشم الهنداوي ومراجعة ناصرة السعدون / دار الشؤون الثقافية العامة . بغداد 1989 ص 11

19 – الفخار الفني المعاصر في العراق / مصدر سابق ص 34 ـ 75

20 – مجلة الرواق / وزارة الثقافة والإعلام العدد 5 ص 15

21 – المصدر نفسه . ص 15

22 – حديث مع الخزافة عبلة العزاوي يوم 24/ 6 / 1999 في مشغلها .

23 – خليل قويعة ( أشواق الخزف .. نبض الأرض ) دليل الخزاف / تونس 2002

24 – مقابلة مع الأستاذ الخزاف سعد شاكر / قاعة حوار ـ بغداد 20 / 3 / 2004




http://www.ittijahat.com/4th_issue/nibras_alrubayie.htm

هناك تعليق واحد:

  1. منذ سنوات عديدة لم التقي بالفنانة المثابرة
    نبراس الربيعي.. بسبب السفر...انها بحق رمز للمرأة العراقية المجتهدة والصابرة
    وتستحق كل النجاح...طارق محمود الدليمى

    ردحذف